مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

كوى

صفحة 731 - الجزء 1

  {وكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّه كَفُوراً}⁣[الإسراء: ٢٧]. وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدّم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغيّر نحو: كَانَ فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدّم تقدما كثيرا، نحو أن تقول: كان في أوّل ما أوجد اللَّه تعالى، وبين أن يكون في زمان قد تقدّم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان، نحو أن تقول: كان آدم كذا، وبين أن يقال: كان زيد هاهنا، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت، ولهذا صحّ أن يقال: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}⁣[مريم: ٢٩] فأشار بكان أنّ عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال: هذا إشارة إلى الحال بشيء، لأنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا.

  وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}⁣[آل عمران: ١١٠] فقد قيل: معنى كُنْتُمْ معنى الحال⁣(⁣١)، وليس ذلك بشيء بل إنما ذلك إشارة إلى أنّكم كنتم كذلك في تقدير اللَّه تعالى وحكمه، وقوله: {وإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ}⁣[البقرة: ٢٨٠] فقد قيل:

  معناه: حصل ووقع، والْكَوْنُ يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه، وكثير من المتكلَّمين يستعملونه في معنى الإبداع.

  وكَيْنُونَةٌ عند بعض النّحويين فعلولة، وأصله:

  كَوْنُونَةٌ، وكرهوا الضّمة والواو فقلبوا، وعند سيبويه⁣(⁣٢) كَيْوِنُونَةٌ على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كَيِّنُونَةً، ثم حذف فصار كَيْنُونَةً، كقولهم في ميّت: ميت. وأصل ميّت: ميوت، ولم يقولوا كيّنونة على الأصل، كما قالوا: ميّت، لثقل لفظها. و «الْمَكَانُ» قيل أصله من: كَانَ يَكُونُ، فلمّا كثر في كلامهم توهّمت الميم أصليّة فقيل:

  تمكَّن كما قيل في المسكين: تمسكن، واسْتَكانَ فلان: تضرّع وكأنه سكن وترك الدّعة لضراعته.

  قال تعالى: {فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ}⁣[المؤمنون: ٧٦].

كوى

  كَوَيْتُ الدّابة بالنار كَيّاً. قال: {فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ}⁣[التوبة: ٣٥]. و:

  كيْ علَّة لفعل الشيء، و «كَيْلَا» لانتفائه، نحو:


(١) قال القرطبي: وقيل: «كان» زائدة، والمعنى: أنتم خير أمة. وأنشد سيبويه:

وجيران لنا كانوا كرام

ومثله قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، وقوله: {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}.

انظر: تفسير القرطبي ٤/ ١٧٠ - ١٧١.

(٢) الكتاب ٤/ ٣٦٥.