مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

منع

صفحة 779 - الجزء 1

  (فمن) اقتضى التّبعيض، فإنه كان نزل فيه بعض ذرّيته، وقوله: {مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ}⁣[النور: ٤٣] قال: تقديره أنه ينزّل من السّماء جبالا، فمن الأولى ظرف، والثانية في موضع المفعول، والثالثة للتّبيين كقولك: عنده جبال من مال. وقيل: يحتمل أن يكون قوله:

  «من جبال» نصبا على الظَّرف على أنه ينزّل منه، وقوله: {مِنْ بَرَدٍ} نصب. أي: ينزّل من السماء من جبال فيها بردا، وقيل: يصحّ أن يكون موضع من في قوله: {مِنْ بَرَدٍ} رفعا، و {مِنْ جِبالٍ} نصبا على أنه مفعول به، كأنه في التّقدير: وينزّل من السّماء جبالا فيها برد، ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السّماء. وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}⁣[المائدة: ٤]، قال أبو الحسن: من زائدة⁣(⁣١)، والصّحيح أنّ تلك ليست بزائدة، لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدّم والغدد وما فيها من القاذورات المنهيّ عن تناولها.

منع

  المنع يقال في ضدّ العطيّة، يقال: رجل مانع ومنّاع. أي: بخيل. قال اللَّه تعالى: {ويَمْنَعُونَ} {الْماعُونَ}⁣[الماعون: ٧]، وقال: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ}⁣[ق: ٢٥]، ويقال في الحماية، ومنه:

  مكان منيع، وقد منع وفلان ذو مَنَعَة. أي: عزيز ممتنع على من يرومه. قال تعالى: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ونَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}⁣[النساء: ١٤١]، {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ الله}⁣[البقرة: ١١٤]، {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}⁣[الأعراف: ١٢] أي: ما حملك؟

  وقيل: ما الذي صدّك وحملك على ترك ذلك؟

  يقال: امرأة منيعة كناية عن العفيفة. وقيل:

  مَنَاعِ. أي: امنع، كقولهم: نَزَالِ. أي: انْزِلْ.

منى

  المَنَى: التّقدير. يقال: مَنَى لك الماني، أي: قدّر لك المقدّر، ومنه: المَنَا الذي يوزن به فيما قيل، والمَنِيُّ للذي قدّر به الحيوانات. قال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى}⁣[القيامة: ٣٧]، {مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى}⁣[النجم: ٤٦] أي: تقدّر بالعزّة الإلهية ما لم يكن منه، ومنه: المَنِيَّة، وهو الأجل المقدّر للحيوان، وجمعه: مَنَايا، والتَّمَنِّي: تقدير شيء في النّفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن تخمين وظنّ، ويكون عن رويّة وبناء على أصل، لكن لمّا كان


(١) وعبارته: أدخل «من» كما أدخله في قوله: كان من حديث، وقد كان من مطر، وقوله: {ويُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ} و {يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ} وهو فيما فسّر: ينزّل من السماء جبالا فيها برد. انظر: معاني القرآن لأبي الحسن الأخفش ١/ ٢٥٤.