حيى
  متلذّذون، لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشّهداء(١).
  والخامسة: الحياة الأخرويّة الأبديّة، وذلك يتوصّل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم، قال اللَّه تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّه ولِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: ٢٤](٢)، وقوله: {يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي}[الفجر: ٢٤]، يعني بها: الحياة الأخرويّة الدّائمة.
  والسادسة: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حيّ، فمعناه: لا يصحّ عليه الموت، وليس ذلك إلَّا للَّه ø.
  والحياة باعتبار الدّنيا والآخرة ضربان:
  الحياة الدّنيا، والحياة الآخرة: قال ø: {فَأَمَّا مَنْ طَغى وآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا}[النازعات: ٣٨]، وقال ø: {اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ}[البقرة: ٨٦]، وقال تعالى: {ومَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ}[الرعد: ٢٦]، أي: الأعراض الدّنيويّة، وقال: {ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها}[يونس: ٧]، وقوله تعالى: {ولَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ}[البقرة: ٩٦]، أي: حياة الدّنيا، وقوله ø: {وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى}[البقرة: ٢٦٠]، كان يطلب أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن شوائب الآفات الدّنيويّة. وقوله ø: {ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ}[البقرة: ١٧٩]، أي: يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. وقال ø: {ومَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}[المائدة: ٣٢]، أي: من نجّاها من الهلاك، وعلى هذا قوله مخبرا عن إبراهيم: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨]، أي:
  أعفو فيكون إحياء. والحَيَوَانُ: مقرّ الحياة، ويقال على ضربين: أحدهما: ما له الحاسّة، والثاني:
  ما له البقاء الأبديّ، وهو المذكور في قوله ø: {وإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: ٦٤]، وقد نبّه بقوله: {لَهِيَ الْحَيَوانُ} أنّ الحيوان الحقيقيّ السّرمديّ الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدّة ثم يفنى، وقال بعض أهل اللَّغة: الحَيَوَان والحياة واحد(٣)، وقيل: الحَيَوَان: ما فيه الحياة، والموتان ما ليس فيه الحياة. والحَيَا: المطر، لأنه يحيي الأرض بعد موتها، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: {وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠]، وقوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُه يَحْيى}[مريم: ٧]، فقد نبّه أنه سمّاه بذلك
(١) انظر في ذلك الدر المنثور ٢/ ٣٧١.
(٢) وعن مجاهد في الآية قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.
(٣) وهو مروي عن قتادة، راجع اللسان (حيا).