مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

خد

صفحة 275 - الجزء 1

  والطَّابع. والثاني: الأثر الحاصل عن النّقش، ويتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء، والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب، نحو: {خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧]، {وخَتَمَ عَلى سَمْعِه وقَلْبِه}⁣[الجاثية: ٢٣]، وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل، وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر، ومنه قيل: ختمت القرآن، أي:

  انتهيت إلى آخره، فقوله: {خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧]، وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأَبْصارَكُمْ وخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ}⁣[الأنعام: ٤٦]، إشارة إلى ما أجرى اللَّه به العادة أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور - ولا يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ - يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه، وعلى ذلك: {أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِمْ}⁣[النحل: ١٠٨]، وعلى هذا النّحو استعارة الإغفال في قوله ø: {ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَه عَنْ ذِكْرِنا}⁣[الكهف: ٢٨]، واستعارة الكنّ في قوله تعالى: {وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوه}⁣[الأنعام: ٢٥]، واستعارة القساوة في قوله تعالى: {وجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً}⁣[المائدة: ١٣]، قال الجبّائيّ⁣(⁣١): يجعل اللَّه ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم⁣(⁣٢)، وليس ذلك بشيء فإنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التّشريح، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطَّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. وقال بعضهم: ختمه شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن، وقوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ}⁣[يس: ٦٥]، أي: نمنعهم من الكلام، {وخاتَمَ النَّبِيِّينَ}⁣[الأحزاب: ٤٠]، لأنه خَتَمَ النّبوّة، أي: تمّمها بمجيئه. وقوله ø: {خِتامُه مِسْكٌ}⁣[المطففين: ٢٦]، قيل: ما يختم به، أي:

  يطبع، وإنما معناه: منقطعة وخاتمة شربه، أي:

  سؤره في الطيّب مسك، وقول من قال يختم بالمسك⁣(⁣٣) أي: يطبع، فليس بشيء، لأنّ الشّراب يجب أن يطيّب في نفسه، فأمّا ختمه بالطَّيب فليس ممّا يفيده، ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه.

خد

  قال اللَّه تعالى: {قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ}⁣[البروج: ٤]. الخَدُّ والأخدود: شقّ في الأرض


(١) أبو علي الجبّائي، شيخ المعتزلة في زمانه توفي سنة ٣٠٣ هـ. انظر: ترجمته في طبقات المفسرين ٢/ ١٩١.

(٢) وهذا أيضا قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة، وقول الحسن البصري. انظر الرازي ٢/ ٥١.

(٣) وهذا قول قتادة أخرجه عنه عبد الرزاق قال: عاقبته مسك، قوم يمزج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك. راجع:

الدر المنثور ٨/ ٤٥١.