خنس
  كثير(١)، وعلى هذا قوله: {وإِنَّه لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: ٨]، أي: المال الكثير وقال بعض العلماء: إنما سمّي المال هاهنا خيرا تنبيها على معنى لطيف، وهو أنّ الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود، وعلى هذا قوله: {قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ}[البقرة: ٢١٥]، وقال: {وما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِه عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٧٣]، وقوله: {فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}[النور: ٣٣]، قيل: عنى به مالا من جهتهم(٢)، وقيل: إن علمتم أنّ عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع، أي: ثواب(٣). والخير والشرّ يقالان على وجهين:
  أحدهما: أن يكونا اسمين كما تقدّم، وهو قوله: {ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}[آل عمران: ١٠٤].
  والثاني: أن يكونا وصفين، وتقديرهما تقدير (أفعل منه)، نحو: هذا خير من ذاك وأفضل، وقوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها}[البقرة: ١٠٦]، وقوله: {وأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: ١٨٤]، فخير هاهنا يصحّ أن يكون اسما، وأن يكون بمعنى أفعل، ومنه قوله: {وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى}[البقرة: ١٩٧]، تقديره تقدير أفعل منه. فالخير يقابل به الشرّ مرة، والضّرّ مرة، نحو قوله تعالى: {وإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَه إِلَّا هُوَ وإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنعام: ١٧]، وقوله: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ}[الرحمن: ٧٠]، قيل: أصله خَيِّرَات، فخفّف، فالخيرات من النساء الخيّرات، يقال: رجل خَيْرٌ(٤) وامرأة خَيْرَةٌ، وهذا خير الرجال، وهذه خيرة النساء، والمراد بذلك المختارات، أي: فيهنّ مختارات لا رذل فيهنّ. والخير: الفاضل المختصّ بالخير، يقال: ناقة خِيَار، وجمل خيار، واستخار اللَّه العبدُ فَخَارَ له، أي: طلب منه الخير فأولاه، وخَايَرْتُ فلانا كذا فَخِرْتُه، والخِيَرَة: الحالة التي تحصل للمستخير والمختار، نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس. والاختيارُ:
  طلب ما هو خير وفعله، وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا، وإن لم يكن خيرا، وقوله: {ولَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ}[الدخان: ٣٢]، يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيرا، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم. والمختار في عرف المتكلَّمين يقال لكلّ
(١) الخبر ذكره البيهقي في سننه ٦/ ٢٧٠ وعبد الرزاق ٩/ ٦٢ والحاكم ٢/ ٢٧٣، وفيه انقطاع.
(٢) وهذا قول ابن عباس وعطاء. راجع: الدر المنثور ٥/ ١٩٠.
(٣) أخرج عبد الرزاق وغيره عن أنس بن مالك قال: سألني سيرين المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب، فأقبل عليّ بالدّرة، وقال: كاتبه، وتلا: {فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فكاتبته. راجع: الدر المنثور ٥/ ١٩٠.
(٤) يقال: رجل خير وخيّر، كميت وميّت. راجع: البصائر ٢/ ٧٤.