مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

شطا

صفحة 456 - الجزء 1

  وشَعَرْتُ: أصبت الشَّعْرَ، ومنه استعير: شَعَرْتُ كذا، أي علمت علما في الدّقّة كإصابة الشَّعر، وسمّي الشَّاعِرُ شاعرا لفطنته ودقّة معرفته، فَالشِّعْرُ في الأصل اسم للعلم الدّقيق في قولهم: ليت شعري، وصار في التّعارف اسما للموزون المقفّى من الكلام، والشَّاعِرُ للمختصّ بصناعته، وقوله تعالى حكاية عن الكفّار: {بَلِ افْتَراه بَلْ هُوَ شاعِرٌ}⁣[الأنبياء: ٥]، وقوله: {لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ}⁣[الصافات: ٣٦]، {شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِه}⁣[الطور: ٣٠]، وكثير من المفسّرين حملوه على أنهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفّى، حتى تأوّلوا ما جاء في القرآن من كلّ لفظ يشبه الموزون من نحو: {وجِفانٍ كَالْجَوابِ وقُدُورٍ راسِياتٍ}⁣[سبأ: ١٣]، وقوله: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ}⁣[المسد: ١]. وقال بعض المحصّلين: لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به، وذلك أنه ظاهر من الكلام أنّه ليس على أساليب الشّعر، ولا يخفى ذلك على الأغتام⁣(⁣١) من العجم فضلا عن بلغاء العرب، وإنما رموه بالكذب، فإنّ الشعر يعبّر به عن الكذب، والشَّاعِرُ: الكاذب حتى سمّى قوم الأدلة الكاذبة الشّعريّة، ولهذا قال تعالى في وصف عامّة الشّعراء: {والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ}⁣[الشعراء: ٢٢٤]، إلى آخر السّورة، ولكون الشِّعْرِ مقرّ الكذب قيل: أحسن الشّعر أكذبه. وقال بعض الحكماء: لم ير متديّن صادق اللَّهجة مفلقا في شعره. والْمَشَاعِرُ:

  الحواسّ، وقوله: {وأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}⁣[الحجرات: ٢]، ونحو ذلك، معناه: لا تدركونه بالحواسّ، ولو في كثير ممّا جاء فيه {لا يَشْعُرُونَ}: لا يعقلون، لم يكن يجوز، إذ كان كثير ممّا لا يكون محسوسا قد يكون معقولا.

  ومَشَاعِرُ الحَجِّ: معالمه الظاهرة للحواسّ، والواحد مشعر، ويقال: شَعَائِرُ الحجّ، الواحد:

  شَعِيرَةٌ، قال تعالى: {ذلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله}⁣[الحج: ٣٢]، وقال: {فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ}⁣[البقرة: ١٩٨]، {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ الله}⁣[المائدة: ٢]، أي: ما يهدى إلى بيت اللَّه، وسمّي بذلك لأنها تُشْعَرُ، أي: تُعَلَّمُ بأن تُدمى بِشَعِيرَةٍ، أي: حديدة يُشعر بها.

  والشِّعَارُ: الثّوب الذي يلي الجسد لمماسّته الشَّعَرَ، والشِّعَارُ أيضا ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب، أي: يعلَّم. وأَشْعَرَه الحبّ، نحو:

  ألبسه، والأَشْعَرُ: الطَّويل الشعر، وما استدار بالحافر من الشّعر، وداهية شَعْرَاءُ⁣(⁣٢)، كقولهم:

  داهية وبراء، والشَّعْرَاءُ: ذباب الكلب لملازمته


(١) الغتمة: العجمة في المنطق، من الغتم، وهو الأخذ بالنفس. وتقول: بقيت بين ثلَّة أغتام، كأنهم ثلة أغنام. انظر:

أساس البلاغة ص ٣٢٠، وذكر هذا الكلام الراغب في مقدمة تفسيره ص ١٠٨.

(٢) انظر: المجمل ٢/ ٥٠٥، والجمهرة ٢/ ٣٤٢، وأساس البلاغة ص ٢٣٦، والغريب المصنف.