مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قدد

صفحة 658 - الجزء 1

  ويصحّ أن يوصف بالعجز من وجه، واللَّه تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كلّ وجه. والقَدِيرُ:

  هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلا اللَّه تعالى، قال: {إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}⁣[البقرة: ٢٠]. والمُقْتَدِرُ يقاربه نحو: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}⁣[القمر: ٥٥]، لكن قد يوصف به البشر، وإذا استعمل في اللَّه تعالى فمعناه القَدِيرُ، وإذا استعمل في البشر فمعناه: المتكلَّف والمكتسب للقدرة، يقال: قَدَرْتُ على كذا قُدْرَةً. قال تعالى: {لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}⁣[البقرة: ٢٦٤].

  والقَدْرُ والتَّقْدِيرُ: تبيين كمّيّة الشيء. يقال:

  قَدَرْتُه وقَدَّرْتُه، وقَدَّرَه بالتّشديد: أعطاه الْقُدْرَةَ.

  يقال: قَدَّرَنِي اللَّه على كذا وقوّاني عليه، فَتَقْدِيرُ اللَّه الأشياء على وجهين:

  أحدهما: بإعطاء القدرة.

  والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، وذلك أنّ فعل اللَّه تعالى ضربان:

  ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزّيادة والنّقصان إلى إن يشاء أن يفنيه، أو يبدّله كالسماوات وما فيها. ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوّة، وقدّره على وجه لا يتأتّى منه غير ما قدّره فيه، كتقديره في النّواة أن ينبت منها النّخل دون التّفّاح والزّيتون، وتقدير منيّ الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.

  فَتَقْدِيرُ اللَّه على وجهين:

  أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إمّا على سبيل الوجوب، وإمّا على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}⁣[الطلاق: ٣].

  والثاني: بإعطاء الْقُدْرَةِ عليه. وقوله: {فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ}⁣[المرسلات: ٢٣]، تنبيها أنّ كلّ ما يحكم به فهو محمود في حكمه، أو يكون من قوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}⁣[الطلاق: ٣]، وقرئ: {فَقَدَرْنا}⁣(⁣١) بالتّشديد، وذلك منه، أو من إعطاء القدرة، وقوله: {نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ}⁣[الواقعة: ٦٠]، فإنه تنبيه أنّ ذلك حكمة من حيث إنه هو الْمُقَدِّرُ، وتنبيه أنّ ذلك ليس كما زعم المجوس أنّ اللَّه يخلق وإبليس يقتل، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}⁣[القدر: ١]، إلى آخرها. أي: ليلة قيّضها لأمور مخصوصة. وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناه بِقَدَرٍ}⁣[القمر: ٤٩]، وقوله: {والله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوه}⁣[المزمل: ٢٠]،


(١) قرأ بالتشديد نافع والكسائي وأبو جعفر. انظر: الإتحاف ص ٤٣٠.