قدر
  إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حقّ العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَه فَقَدَّرَه}[عبس: ١٩]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوّة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصّورة، وقوله: {وكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً}[الأحزاب: ٣٨]، فَقَدَرٌ إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللَّوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرّزق»(١)، والْمَقْدُورُ إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا ممّا قدّر، وهو المشار إليه بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن: ٢٩]، وعلى ذلك قوله: {وما نُنَزِّلُه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}[الحجر: ٢١]، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه وعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه}[البقرة: ٢٣٦]، أي:
  ما يليق بحاله مقدّرا عليه، وقوله: {والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى}[الأعلى: ٣]، أي: أعطى كلّ شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصه، إمّا بالتّسخير، وإمّا بالتّعليم كما قال: {أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ثُمَّ هَدى}[طه: ٥٠]، والتَّقْدِيرُ من الإنسان على وجهين: أحدهما: التّفكَّر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني: أن يكون بحسب التّمنّي والشّهوة، وذلك مذموم كقوله: {فَكَّرَ وقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}[المدثر: ١٨ - ١٩]، وتستعار الْقُدْرَةُ والْمَقْدُورُ للحال، والسّعة في المال، والقَدَرُ: وقت الشيء المقدّر له، والمكان المقدّر له، قال: {إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}[المرسلات: ٢٢]، وقال: {فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها}[الرعد: ١٧]، أي: بقدر المكان المقدّر لأن يسعها، وقرئ:
  (بِقَدْرِهَا)(٢) أي: تقديرها. وقوله: {وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ}[القلم: ٢٥]، قاصدين، أي: معيّنين لوقت قَدَّرُوه، وكذلك قوله: {فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر: ١٢]، وقَدَرْتُ عليه الشيء: ضيّقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى: {ومَنْ قُدِرَ عَلَيْه رِزْقُه}[الطلاق: ٧]، أي:
  ضيّق عليه، وقال: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ}[الروم: ٣٧]، وقال: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه}[الأنبياء: ٨٧]، أي: لن نضيّق عليه، وقرئ: (لن نُقَدِّرَ عليه)(٣)، ومن هذا
(١) الحديث تقدّم في مادة (خزن)، وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص ١٤٩ من كلام ابن مسعود.
(٢) وهي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن والأشهب العقيلي. انظر: تفسير القرطبي ٩/ ٣٠٥.
(٣) وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي ١١/ ٣٣٢.