مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قدر

صفحة 659 - الجزء 1

  إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حقّ العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَه فَقَدَّرَه}⁣[عبس: ١٩]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوّة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصّورة، وقوله: {وكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً}⁣[الأحزاب: ٣٨]، فَقَدَرٌ إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللَّوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرّزق»⁣(⁣١)، والْمَقْدُورُ إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا ممّا قدّر، وهو المشار إليه بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}⁣[الرحمن: ٢٩]، وعلى ذلك قوله: {وما نُنَزِّلُه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}⁣[الحجر: ٢١]، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه وعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه}⁣[البقرة: ٢٣٦]، أي:

  ما يليق بحاله مقدّرا عليه، وقوله: {والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى}⁣[الأعلى: ٣]، أي: أعطى كلّ شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصه، إمّا بالتّسخير، وإمّا بالتّعليم كما قال: {أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ثُمَّ هَدى}⁣[طه: ٥٠]، والتَّقْدِيرُ من الإنسان على وجهين: أحدهما: التّفكَّر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني: أن يكون بحسب التّمنّي والشّهوة، وذلك مذموم كقوله: {فَكَّرَ وقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}⁣[المدثر: ١٨ - ١٩]، وتستعار الْقُدْرَةُ والْمَقْدُورُ للحال، والسّعة في المال، والقَدَرُ: وقت الشيء المقدّر له، والمكان المقدّر له، قال: {إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}⁣[المرسلات: ٢٢]، وقال: {فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها}⁣[الرعد: ١٧]، أي: بقدر المكان المقدّر لأن يسعها، وقرئ:

  (بِقَدْرِهَا)⁣(⁣٢) أي: تقديرها. وقوله: {وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ}⁣[القلم: ٢٥]، قاصدين، أي: معيّنين لوقت قَدَّرُوه، وكذلك قوله: {فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}⁣[القمر: ١٢]، وقَدَرْتُ عليه الشيء: ضيّقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى: {ومَنْ قُدِرَ عَلَيْه رِزْقُه}⁣[الطلاق: ٧]، أي:

  ضيّق عليه، وقال: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ}⁣[الروم: ٣٧]، وقال: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه}⁣[الأنبياء: ٨٧]، أي: لن نضيّق عليه، وقرئ: (لن نُقَدِّرَ عليه)⁣(⁣٣)، ومن هذا


(١) الحديث تقدّم في مادة (خزن)، وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص ١٤٩ من كلام ابن مسعود.

(٢) وهي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن والأشهب العقيلي. انظر: تفسير القرطبي ٩/ ٣٠٥.

(٣) وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي ١١/ ٣٣٢.