قرى
  بالكتاب المنزّل على محمد ﷺ، فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل على عيسى صلَّى اللَّه عليهما وسلم. قال بعض العلماء: (تسمية هذا الكتاب قُرْآناً من بين كتب اللَّه لكونه جامعا لثمرة كتبه) بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله: {وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}[يوسف: ١١١]، وقوله: {تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}[الزمر: ٢٨]، {وقُرْآناً فَرَقْناه لِتَقْرَأَه}[الإسراء: ١٠٦]، {فِي هذَا الْقُرْآنِ}[الروم: ٥٨]، {وقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء: ٧٨] أي:
  قراءته، {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة: ٧٧] وأقرأت فلانا كذا. قال: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى}[الأعلى: ٦]، وتَقَرَّأْتُ: تفهّمت، وقَارَأْتُه:
  دارسته.
قرى
  الْقَرْيَةُ: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا، ويستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: {وسْئَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢] قال كثير من المفسّرين معناه: أهل القرية.
  وقال بعضهم(١) بل الْقَرْيَةُ هاهنا: القوم أنفسهم، وعلى هذا قوله: {وضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}[النحل: ١١٢]، وقال: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ}[محمد: ١٣] وقوله: {وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى}[هود: ١١٧] فإنّها اسم للمدينة، وكذا قوله: {وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى}[يوسف: ١٠٩]، {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِه الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها}[النساء: ٧٥]، وحكي أنّ بعض القضاة دخل على عليّ بن الحسين ® فقال: أخبرني عن قول اللَّه تعالى: {وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً}[سبأ: ١٨] ما يقول فيه علماؤكم؟ قال: يقولون إنّها مكَّة(٢)، فقال: وهل رأيت؟ فقلت: ما هي؟ قال: إنّما عني الرّجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب اللَّه؟ فقال:
  ألم تسمع قوله تعالى: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها ورُسُلِه ... الآية}[الطلاق: ٨](٣). وقال: {وتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}[الكهف: ٥٩]، {وإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِه الْقَرْيَةَ}[البقرة: ٥٨]، وقَرَيْتُ الماء في الحوض، وقَرَيْتُ الضّيف قِرًى، وقَرَى الشيء في فمه: جمعه، وقَرَيَانُ الماء: مجتمعه.
(١) هو المبرّد في كتابه ما اتفق لفظه ص ٧٧.
(٢) المعروف أنّ المراد بها بلاد الشام. انظر: الدر المنثور ٦/ ٦٩٣، وروح المعاني ٢٢/ ١٢٩، وتفسير القرطبي ١٤/ ٢٨٩، وتفسير الماوردي ٣/ ٣٥٧.
(٣) وهذه القصة في البصائر ٤/ ٢٦٦، وعمدة الحفاظ: قرى.