مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قرى

صفحة 669 - الجزء 1

  بالكتاب المنزّل على محمد ، فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل على عيسى صلَّى اللَّه عليهما وسلم. قال بعض العلماء: (تسمية هذا الكتاب قُرْآناً من بين كتب اللَّه لكونه جامعا لثمرة كتبه) بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله: {وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[يوسف: ١١١]، وقوله: {تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}⁣[الزمر: ٢٨]، {وقُرْآناً فَرَقْناه لِتَقْرَأَه}⁣[الإسراء: ١٠٦]، {فِي هذَا الْقُرْآنِ}⁣[الروم: ٥٨]، {وقُرْآنَ الْفَجْرِ}⁣[الإسراء: ٧٨] أي:

  قراءته، {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}⁣[الواقعة: ٧٧] وأقرأت فلانا كذا. قال: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى}⁣[الأعلى: ٦]، وتَقَرَّأْتُ: تفهّمت، وقَارَأْتُه:

  دارسته.

قرى

  الْقَرْيَةُ: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا، ويستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: {وسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢] قال كثير من المفسّرين معناه: أهل القرية.

  وقال بعضهم⁣(⁣١) بل الْقَرْيَةُ هاهنا: القوم أنفسهم، وعلى هذا قوله: {وضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}⁣[النحل: ١١٢]، وقال: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ}⁣[محمد: ١٣] وقوله: {وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى}⁣[هود: ١١٧] فإنّها اسم للمدينة، وكذا قوله: {وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى}⁣[يوسف: ١٠٩]، {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِه الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها}⁣[النساء: ٧٥]، وحكي أنّ بعض القضاة دخل على عليّ بن الحسين ® فقال: أخبرني عن قول اللَّه تعالى: {وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً}⁣[سبأ: ١٨] ما يقول فيه علماؤكم؟ قال: يقولون إنّها مكَّة⁣(⁣٢)، فقال: وهل رأيت؟ فقلت: ما هي؟ قال: إنّما عني الرّجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب اللَّه؟ فقال:

  ألم تسمع قوله تعالى: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها ورُسُلِه ... الآية}⁣[الطلاق: ٨](⁣٣). وقال: {وتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}⁣[الكهف: ٥٩]، {وإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِه الْقَرْيَةَ}⁣[البقرة: ٥٨]، وقَرَيْتُ الماء في الحوض، وقَرَيْتُ الضّيف قِرًى، وقَرَى الشيء في فمه: جمعه، وقَرَيَانُ الماء: مجتمعه.


(١) هو المبرّد في كتابه ما اتفق لفظه ص ٧٧.

(٢) المعروف أنّ المراد بها بلاد الشام. انظر: الدر المنثور ٦/ ٦٩٣، وروح المعاني ٢٢/ ١٢٩، وتفسير القرطبي ١٤/ ٢٨٩، وتفسير الماوردي ٣/ ٣٥٧.

(٣) وهذه القصة في البصائر ٤/ ٢٦٦، وعمدة الحفاظ: قرى.