كبر
  وقال: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْه}[الشورى: ١٣]، وقال: {وإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ}[الأنعام: ٣٥]، وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً}[الكهف: ٥] ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذّنوب وعظم عقوبته.
  ولذلك قال: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله}[الصف: ٣]، وقوله: {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَه}[النور: ١١] إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. وتنبيها أنّ كلّ من سنّ سنّة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر.
  وقوله: {إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيه}[غافر: ٥٦]، أي تكبّر. وقيل: أمر كَبِيرٌ من السّنّ، كقوله: {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَه}[النور: ١١]، والْكِبْرُ والتَّكَبُّرُ والِاسْتِكْبَارُ تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التّكبّر التّكبّر على اللَّه بالامتناع من قبول الحقّ والإذعان له بالعبادة. والاسْتِكْبارُ يقال على وجهين:
  أحدهما: أن يتحرّى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا، وذلك متى كان على ما يجب، وفي المكان الذي يجب، وفي الوقت الذي يجب فمحمود.
  والثاني: أن يتشبّع فيظهر من نفسه ما ليس له، وهذا هو المذموم، وعلى هذا ما ورد في القرآن. وهو ما قال تعالى: {أَبى واسْتَكْبَرَ}[البقرة: ٣٤]. وقال تعالى: {أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ}[البقرة: ٨٧]، وقال: {وأَصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً}[نوح: ٧]، {اسْتِكْباراً فِي الأَرْضِ}[فاطر: ٤٣]، {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ}[فصلت: ١٥]، {تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الأحقاف: ٢٠]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ}[الأعراف: ٤٠]، {قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}[الأعراف: ٤٨]، وقوله: {فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}[غافر: ٤٧] قابل المستكبرين بالضّعفاء تنبيها أنّ استكبارهم كان بما لهم من القوّة من البدن والمال. وقال تعالى: {قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِه لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}[الأعراف: ٧٥] فقابل المستكبرين بالمستضعفين {فَاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ}[الأعراف: ١٣٣] نبّه بقوله: {فَاسْتَكْبَرُوا} على تكبّرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظَّمهم عن الإصغاء إليه، ونبّه بقوله: {وكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ}[الأعراف: ١٣٣] أنّ الذي حملهم على ذلك هو ما تقدّم من جرمهم، وأنّ ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. وقال تعالى: {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[النحل: ٢٢]،