مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

كبر

صفحة 698 - الجزء 1

  وقال بعده: {إِنَّه لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}⁣[النحل: ٢٣]. والتَّكَبُّرُ يقال على وجهين:

  أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف اللَّه تعالى بالتّكبّر. قال: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}⁣[الحشر: ٢٣].

  والثاني: أن يكون متكلَّفا لذلك متشبّعا، وذلك في وصف عامّة الناس نحو قوله: {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}⁣[الزمر: ٧٢]، وقوله: {كَذلِكَ يَطْبَعُ الله عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}⁣[غافر: ٣٥] ومن وصف بالتّكبّر على الوجه الأوّل فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدلّ على أنه قد يصحّ أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما، وقوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}⁣[الأعراف: ١٤٦] فجعل متكبّرين بغير الحقّ، وقال: {عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}⁣[غافر: ٣٥] بإضافة القلب إلى المتكبّر.

  ومن قرأ: بالتّنوين⁣(⁣١) جعل المتكبّر صفة للقلب، والْكِبْريَاءُ: الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير اللَّه، فقال: {ولَه الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ}⁣[الجاثية: ٣٧] ولما قلنا روي عنه يقول عن اللَّه تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته»⁣(⁣٢)، وقال تعالى: {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْه آباءَنا وتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الأَرْضِ}⁣[يونس: ٨٧]، وأكْبَرْتُ الشيء:

  رأيته كَبِيراً. قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَه أَكْبَرْنَه}⁣[يوسف: ٣١]. والتَّكْبِيرُ يقال لذلك، ولتعظيم اللَّه تعالى بقولهم: اللَّه أَكْبَرُ، ولعبادته واستشعار تعظيمه، وعلى ذلك: {ولِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ}⁣[البقرة: ١٨٥]، {وكَبِّرْه تَكْبِيراً}⁣[الإسراء: ١١١]، وقوله: {لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}⁣[غافر: ٥٧] فهي إشارة إلى ما خصّهما اللَّه تعالى به من عجائب صنعه، وحكمته التي لا يعلمها إلَّا قليل ممّن وصفهم بقوله: {ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأَرْضِ}⁣[آل عمران: ١٩١] فأمّا عظم جثّتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى}⁣[الدخان: ١٦] فتنبيه أنّ كلّ ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدّنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.

  والْكُبَارُ أبلغ من الْكَبِيرُ، والْكُبَّارُ أبلغ من ذلك.

  قال تعالى: {ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً}⁣[نوح: ٢٢].


(١) قرأ: {عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} بالتنوين أبو عمرو وابن عامر بخلفه. انظر: الإتحاف ص ٣٧٨.

(٢) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : «يقول اللَّه ø: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار» أخرجه مسلم في البر والصلة برقم (٢٦٢٠)، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ١٧٣.