كفر
  لقوله: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}[ق: ٢٤] وقال: {والله لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[البقرة: ٢٧٦]، {إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر: ٣]، {إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً}[نوح: ٢٧] وقد أجري الكفّار مجرى الكفور في قوله: {إِنَّ الإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: ٣٤]. والكُفَّارُ في جمع الكافر المضادّ للإيمان أكثر استعمالا كقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}[الفتح: ٢٩]، وقوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: ٢٩].
  والكَفَرَةُ في جمع كافر النّعمة أشدّ استعمالا، وفي قوله: {أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}[عبس: ٤٢] ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟
  والفجرة قد يقال للفسّاق من المسلمين. وقوله: {جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ}[القمر: ١٤] أي: من الأنبياء ومن يجري مجراهم ممّن بذلوا النّصح في أمر اللَّه فلم يقبل منهم. وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}[النساء: ١٣٧] قيل: عني بقوله إنهم آمنوا بموسى، ثمّ كفروا بمن بعده. والنصارى آمنوا بعيسى، ثمّ كفروا بمن بعده. وقيل: آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، وقيل: هو ما قال: {وقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي} إلى قوله: {واكْفُرُوا آخِرَه}[آل عمران: ٧٢](١) ولم يرد أنّهم آمنوا مرّتين وكفروا مرّتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل: كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرّذائل في ثلاث درجات. والآية إشارة إلى ذلك، وقد بيّنته في كتاب «الذّريعة إلى مكارم الشّريعة»(٢).
  ويقال: كَفَرَ فلانٌ: إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد، ولذلك قال: {مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمانِه إِلَّا مَنْ أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ}[النحل: ١٠٦] ويقال: كَفَرَ فلان بالشّيطان: إذا كفر بسببه، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشّيطان، كقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ويُؤْمِنْ بِالله}[البقرة: ٢٥٦] وأَكْفَرَه إِكْفَاراً: حكم بكفره، وقد يعبّر عن التّبرّي بالكفر نحو: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ... الآية}[العنكبوت: ٢٥]، وقوله تعالى: {إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}[إبراهيم: ٢٢]، وقوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُه}[الحديد: ٢٠] قيل: عنى بالكفّار الزّرّاع(٣)، لأنّهم يغطَّون البذر في التّراب ستر الكفّار حقّ اللَّه
(١) {قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَه لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
(٢) قال الراغب في كتاب «الذريعة»: وللإنسان مع كل فضيلة ورذيلة ثلاثة أحوال: إمّا أن يكون في ابتدائها، فيقال: هو عبدها وابنها، ولهذا قال بعضهم: من لم يخدم العلم لم يرعه. والثاني: أن يتوسطها فيقال: هو أخوها وصاحبها.
والثالث: أن ينتهي فيها بقدر وسعه، ويتصرف فيها كما أراد، فيقال: هو ربّها وسيدها. انظر: كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة ص ٤٤.
(٣) وهذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص ٤٥٤.