كلم
  الكائن، وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ الآية}[الأنعام: ٨٩]، وقيل: عنى به ما وعد من الثّواب والعقاب، وعلى ذلك قوله تعالى: {بَلى ولكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ}[الزمر: ٧١]، وقوله: {كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا الآية}[يونس: ٣٣]، وقيل: عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها، فنبّه أنّ ما أرسل من الآيات تامّ وفيه بلاغ، وقوله: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِه}[الأنعام: ١١٥] ردّ لقولهم: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا الآية}[يونس: ١٥]، وقيل: أراد بِكَلِمَةِ ربّك: أحكامه التي حكم بها وبيّن أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ، وقوله: {وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا}[الأعراف: ١٣٧] وهذه الْكَلِمَةُ فيما قيل هي قوله تعالى: {ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ الآية}[القصص: ٥]، وقوله: {ولَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً}[طه: ١٢٩]، {ولَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}[الشورى: ١٤] فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته، وأنه لا تبديل لكلماته، وقوله تعالى: {ويُحِقُّ الله الْحَقَّ بِكَلِماتِه}[يونس: ٨٢] أي: بحججه التي جعلها اللَّه تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا، أي: حجّة قوية.
  وقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله}[الفتح: ١٥] هو إشارة إلى ما قال: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الآية}[التوبة: ٨٣]، وذلك أنّ اللَّه تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين: {ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ}[الفتح: ١٥](١) تبديلا لكلام اللَّه تعالى، فنبه أنّ هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون - وقد علم اللَّه تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم -؟ وقد سبق بذلك حكمه. ومُكالَمَةُ اللَّه تعالى العبد على ضربين:
  أحدهما: في الدّنيا.
  والثاني: في الآخرة.
  فما في الدّنيا فعلى ما نبّه عليه بقوله: {ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَه الله الآية}[الشورى: ٥١]، وما في الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيّته، ونبّه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله}[آل عمران: ٧٧]. وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِه}[النساء: ٤٦] جمع الكلمة، وقيل: إنهم كانوا يبدّلون الألفاظ
(١) الآية: {ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه}.