مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

بشر

صفحة 125 - الجزء 1

  {فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا}⁣[التغابن: ٦]، وعلى هذا قال: {إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}⁣[الكهف: ١١٠]، تنبيها أنّ الناس يتساوون في البشرية، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة، ولذلك قال بعده: {يُوحى إِلَيَّ}⁣[الكهف: ١١٠]، تنبيها أني بذلك تميّزت عنكم. وقال تعالى: {لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}⁣[مريم: ٢٠] فخصّ لفظ البشر، وقوله: {فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا}⁣[مريم: ١٧] فعبارة عن الملائكة، ونبّه أنه تشبّح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: {ما هذا بَشَراً}⁣[يوسف: ٣١] فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر.

  وبَشَرْتُ الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته ورجلته، ومنه: بَشَرَ الجراد الأرض إذا أكلته، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكنّي بها عن الجماع في قوله: {ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}⁣[البقرة: ١٨٧]، وقال تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}⁣[البقرة: ١٨٧].

  وفلان مُؤْدَم مُبْشَر⁣(⁣١)، أصله من قولهم: أَبْشَرَه اللَّه وآدمه، أي: جعل له بشرة وأدمة محمودة، ثم عبّر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة.

  وقيل معناه: جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وأَبْشَرْتُ الرجل وبَشَّرْتُه وبَشَرْتُه: أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه، وذلك أنّ النفس إذا سرّت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فروق، فإنّ بشرته عامّ، وأبشرته نحو: أحمدته، وبشّرته على التكثير، وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال: بَشَرْتُه فَأَبْشَرَ، أي:

  اسْتَبْشَرَ، وأَبْشَرْتُه، وقرئ: {يُبَشِّرُكَ}⁣[آل عمران: ٣٩] ويبشرك⁣(⁣٢) ويبشرك⁣(⁣٣)، قال اللَّه ø: {لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ}⁣[الحجر: ٥٣ - ٥٤].

  واستبشر: إذا وجد ما يبشّره من الفرح، قال تعالى: {ويَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}⁣[آل عمران: ١٧٠]، {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وفَضْلٍ}⁣[آل عمران: ١٧١]، وقال تعالى: {وجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ}⁣[الحجر: ٦٧]. ويقال للخبر السارّ: البِشارة والبُشْرَى، قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ}⁣[يونس: ٦٤]، وقال


(١) قال ابن منظور: وفي الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان كاملا من الرجال.

(٢) وهي قراءة حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين.

(٣) وهي قراءة شاذة، وانظر الحجة للقراء السبعة ٣/ ٤٢.