مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

حسم

صفحة 236 - الجزء 1

  {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله}⁣[النساء: ٧٩]، أي: من ثواب، {وما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}⁣[النساء: ٧٩]، أي: من عقاب. والفرق بين الحسن والحسنة والحسنى أنّ الحَسَنَ يقال في الأعيان والأحداث، وكذلك الحَسَنَة إذا كانت وصفا، وإذا كانت اسما فمتعارف في الأحداث، والحُسْنَى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان، والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر، يقال: رجل حَسَنٌ وحُسَّان، وامرأة حَسْنَاء وحُسَّانَة، وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه}⁣[الزمر: ١٨]، أي: الأبعد عن الشبهة، كما قال : «إذا شككت في شيء فدع»⁣(⁣١).

  {وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}⁣[البقرة: ٨٣]، أي: كلمة حسنة، وقال تعالى: {ووَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْه حُسْناً}⁣[العنكبوت: ٨]، وقوله ø: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}⁣[التوبة: ٥٢]، وقوله تعالى: {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}⁣[المائدة: ٥٠]، إن قيل: حكمه حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن فلم خصّ؟

  قيل: القصد إلى ظهور حسنه والاطلاع عليه، وذلك يظهر لمن تزكَّى واطلع على حكمة اللَّه تعالى دون الجهلة.

  والإحسان يقال على وجهين:

  أحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان.

  والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين: (الناس أبناء ما يحسنون)⁣(⁣٢) أي:

  منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة.

  قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه}⁣[السجدة: ٧]، والإحسان أعمّ من الإنعام. قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ}⁣[الإسراء: ٧]، وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ}⁣[النحل: ٩٠]، فالإحسان فوق العدل، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه، ويأخذ أقلّ مما له، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقلّ ممّا له⁣(⁣٣).

  فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل


(١) ورد بمعناه عن أبي أمامة أنّ رجلا سأل رسول اللَّه عن الإثم. قال: إذا حاك في نفسك شيء فدعه. أخرجه أحمد ٥/ ٢٥٢.

(٢) انظر: البصائر ٢/ ٤٦٥، والذريعة ص ٢٤ ونهج البلاغة ص ٦٧٤، وفيه: قيمة كلّ امرئ ما يحسنه.

(٣) انظر نهج البلاغة ص ٧٠٨.