مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قبل

صفحة 653 - الجزء 1

قبل

  قَبْلُ يستعمل في التّقدّم المتّصل والمنفصل، ويضادّه بعد، وقيل: يستعملان في التّقدّم المتّصل، ويضادّهما دبر ودبر. هذا في الأصل وإن كان قد يتجوّز في كلّ واحد منهما.

  (فَقَبْلُ) يستعمل على أوجه:

  الأوّل: في المكان بحسب الإضافة، فيقول الخارج من أصبهان إلى مكَّة: بغداد قبل الكوفة، ويقول الخارج من مكَّة إلى أصبهان: الكوفة قبل بغداد.

  الثاني: في الزّمان نحو: زمان عبد الملك قبل المنصور، قال: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ الله مِنْ قَبْلُ}⁣[البقرة: ٩١].

  الثالث: في المنزلة نحو: عبد الملك قبل الحجّاج.

  الرابع: في الترتيب الصّناعيّ. نحو تعلَّم الهجاء قبل تعلَّم الخطَّ، وقوله: {ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ}⁣[الأنبياء: ٦]، وقوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها}⁣[طه: ١٣٠]، {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ}⁣[النمل: ٣٩]، {أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ}⁣[الحديد: ١٦]، فكلّ إشارة إلى التّقدّم الزّمانيّ. والقُبُلُ والدّبر يكنّى بهما عن السّوأتين، والإِقْبَالُ: التّوجّه نحو الْقُبُلِ، كَالاسْتِقْبَالِ. قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ}⁣[الصافات: ٥٠]، {وأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ}⁣[يوسف: ٧١]، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُه}⁣[الذاريات: ٢٩]، والقَابِلُ: الذي يَسْتَقْبِلُ الدّلو من البئر فيأخذه، والْقَابِلَةُ: التي تَقْبَلُ الولد عند الولادة، وقَبِلْتُ عذره وتوبته وغيره، وتَقَبَّلْتُه كذلك. قال: {ولا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ}⁣[البقرة: ١٢٣]، {وقابِلِ التَّوْبِ}⁣[غافر: ٣]، {وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه}⁣[الشورى: ٢٥].

  والتَّقَبُّلُ: قَبُولُ الشيء على وجه يقتضي ثوابا كالهديّة ونحوها. قال تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا}⁣[الأحقاف: ١٦]، وقوله: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}⁣[المائدة: ٢٧]، تنبيه أن ليس كل عبادة مُتَقَبَّلَةً، بل إنّما يتقبّل إذا كان على وجه مخصوص. قال تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي}⁣[آل عمران: ٣٥]. وقيل للكفالة: قُبَالَةٌ فإنّ الكفالة هي أوكد تَقَبُّلٍ، وقوله: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي}⁣[آل عمران: ٣٥]، فباعتبار معنى الكفالة، وسمّي العهد المكتوب: قُبَالَةً، وقوله: {فَتَقَبَّلَها}⁣[آل عمران: ٣٧]، قيل: معناه قبلها، وقيل: معناه تكفّل بها، ويقول اللَّه تعالى:

  كلَّفتني أعظم كفالة في الحقيقة وإنما قيل: {فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ}⁣[آل عمران: ٣٧]، ولم يقل بتقبّل للجمع بين الأمرين: التَّقَبُّلِ الذي هو التّرقّي في القَبُولِ، والقَبُولِ الذي يقتضي