قيع
  تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله}[البقرة: ٧٩]، وقوله: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[يس: ٧] أي: علم اللَّه تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى: {وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ}[الأعراف: ١٣٧] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ٩٦] وقوله: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيه يَمْتَرُونَ}[مريم: ٣٤] فإنما سمّاه قول الحقّ تنبيها على ما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله}[آل عمران: ٥٩](١) إلى قوله: {ثُمَّ قالَ} لَه كُنْ فَيَكُونُ وتسميته قولا كتسميته كلمة في قوله: {وكَلِمَتُه أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ}[النساء: ١٧١] وقوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ}[الذاريات: ٨] أي: لفي أمر من البعث، فسمّاه قولا، فإنّ الْمَقُولَ فيه يسمّى قولا، كما أنّ المذكور يسمّى ذكرا وقوله: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ}[الحاقة: ٤٠ - ٤١] فقد نسب القول إلى الرّسول، وذلك أنّ القول الصادر إليك عن الرّسول يبلَّغه إليك عن مرسل له، فيصحّ أن تنسبه تارة إلى الرّسول، وتارة إلى المرسل، وكلاهما صحيح. فإن قيل: فهل يصحّ على هذا أن ينسب الشّعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل: يصحّ أن يقال للشّعر: هو قَوْلُ الراوي. ولا يصحّ أن يقال هو:
  شعره وخطبته، لأنّ الشّعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة، وتلك الصّورة ليس للرّاوي فيها شيء. والقول هو قول الرّاوي كما هو قول المرويّ عنه. وقوله تعالى: {إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ}[البقرة: ١٥٦] لم يرد به القول المنطقيّ فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل. ويقال للَّسان: الْمِقْوَلُ، ورجل مِقْوَلٌ: منطيق، وقَوَّالٌ وقَوَّالَةٌ كذلك. والْقَيْلُ: الملك من ملوك حمير سمّوه بذلك لكونه معتمدا على قوله ومقتدى به، ولكونه مُتَقَيِّلًا لأبيه. ويقال: تَقَيَّلَ فلان أباه، وعلى هذا النّحو سمّوا الملك بعد الملك تبّعا، وأصله من الواو، لقولهم في جمعه: أَقْوَالٌ نحو:
  ميت وأموات، والأصل قَيِّلٌ نحو: ميْت، أصله:
  ميّت فخفّف. وإذا قيل: أَقْيَالٌ فذلك نحو:
  أعياد، وتقيّل أباه نحو: تعبّد، واقْتَالَ قَوْلًا: قال ما اجترّ به إلى نفسه خيرا أو شرّا. ويقال ذلك في معنى احتكم قال الشاعر:
  ٣٧٨ - تأبى حكومة الْمُقْتَالُ(٢)
  والقَالُ والقَالَةُ: ما ينشر من القول. قال
(١) الآية {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَه مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَه كُنْ فَيَكُونُ}.
(٢) البيت:
ولمثل الذي جمعت من العدّة ... تأبى حكومة المقتال
وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، ومطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي فهل تردّ سؤالي
وهو في ديوانه ص ١٦٨، واللسان (قال)، والمعاني الكبير ٢/ ٩٢٤.