مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

نزل

صفحة 800 - الجزء 1

  جُنُوداً لَمْ تَرَوْها}⁣[التوبة: ٢٦]، {لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}⁣[محمد: ٢٠]، {فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ}⁣[محمد: ٢٠] فإنَّما ذَكَرَ في الأوّلِ «نُزِّلَ»، وفي الثاني «أُنْزِلَ» تنبيهاً أنّ المنافقين يَقْتَرِحُونَ أن يَنْزِلَ شَيْءٌ فَشَيْءٌ من الحثِّ على القِتَال لِيَتَوَلَّوْه، وإذا أُمِرُوا بذلك مَرَّةً واحدةً تَحَاشَوْا منه فلم يفعلوه، فهم يَقْتَرِحُونَ الكثيرَ ولا يَفُونَ منه بالقليل. وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ}⁣[الدخان: ٣]، {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيه الْقُرْآنُ}⁣[البقرة: ١٨٥]، {إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}⁣[القدر: ١] وإنّما خُصَّ لفظُ الإنزالِ دُونَ التَّنزيلِ، لما رُوِيَ: (أنّ القرآن نَزَلَ دفعةً واحدةً إلى سماءِ الدُّنيا، ثمّ نَزَلَ نَجْماً فَنَجْماً)⁣(⁣١). وقوله تعالى: {الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً ونِفاقاً وأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ الله عَلى رَسُولِه}⁣[التوبة: ٩٧] فَخَصَّ لفظَ الإنزالِ ليكونَ أعمَّ، فقد تقدَّم أنّ الإنزال أعمُّ من التَّنزيلِ، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ}⁣[الحشر: ٢١]، ولم يقل: لو نَزَّلْنَا، تنبيهاً أنَّا لو خَوَّلْنَاه مَرَّةً ما خَوَّلْنَاكَ مِرَاراً {لَرَأَيْتَه خاشِعاً}⁣[الحشر: ٢١]. وقوله: {قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْكُمْ} {ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ الله}⁣[الطلاق: ١٠ - ١١] فقد قيل: أراد بإنزالِ الذِّكْرِ هاهنا بِعْثَةَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وسمَّاه ذكراً كما سُمِّيَ عيسى # كلمةً، فعَلَى هذا يكون قوله: «رَسُولًا» بدلا من قوله: «ذِكْراً»، وقيل: بل أراد إنزالَ ذِكْرِه، فيكونُ «رسولًا» مفعولًا لقوله: ذِكْراً. أي: ذِكْراً رَسُولًا. وأمّا التَّنَزُّلُ فهو كالنُّزُولِ به، يقال: نَزَلَ المَلَكُ بكذا، وتَنَزَّلَ، ولا يقال: نَزَلَ اللَّه بكذا ولا تَنَزَّلَ، قال: {نَزَلَ بِه الرُّوحُ الأَمِينُ}⁣[الشعراء: ١٩٣] وقال: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ}⁣[القدر: ٤]، {وما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}⁣[مريم: ٦٤]، {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}⁣[الطلاق: ١٢] ولا يقال في المفتَرَى والكَذِبِ وما كان من الشَّيطان إلَّا التَّنَزُّلُ: {وما تَنَزَّلَتْ بِه الشَّياطِينُ}⁣[الشعراء: ٢١٠]، {عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ الآية}⁣[الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢].

  والنُّزُلُ: ما يُعَدُّ للنَّازل من الزَّاد، قال: {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا}⁣[السجدة: ١٩] وقال: {نُزُلًا مِنْ عِنْدِ الله}⁣[آل عمران: ١٩٨] وقال في صفة أهل النار: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} إلى قوله: {هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ


(١) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} قال: أنزل القرآن في ليلة القدر، ثم نزل به جبريل على رسول اللَّه نجوما بجواب كلام الناس.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: نزل القرآن جملة على جبريل، وكان جبريل يجيء بعد إلى النبي . الدر المنثور ٧/ ٣٩٨.