مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

هدم

صفحة 836 - الجزء 1

  الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة المعنيّ بقوله: {سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بالَهُمْ}⁣[محمد: ٥]، {ونَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}⁣[الأعراف: ٤٣] إلى قوله: {الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي هَدانا لِهذا}⁣(⁣١).

  وهذه الهدايات الأربع مترتّبة، فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية بل لا يصحّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة والرّابعة، ومن حصل له الرّابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللَّذان قبله⁣(⁣٢). ثمّ ينعكس، فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلَّا بالدّعاء وتعريف الطَّرق دون سائر أنواع الهدايات، وإلى الأوّل أشار بقوله: {وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}⁣[الشورى: ٥٢]، {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا}⁣[السجدة: ٢٤]، {ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}⁣[الرعد: ٧] أي: داع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}⁣[القصص: ٥٦] وكلّ هداية ذكر اللَّه ø أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة، وهي التّوفيق الذي يختصّ به المهتدون، والرّابعة التي هي الثّواب في الآخرة، وإدخال الجنّة. نحو قوله ø: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً} إلى قوله: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}⁣(⁣٣) [آل عمران: ٨٦] وكقوله: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ وأَنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ}⁣[النحل: ١٠٧] وكلّ هداية نفاها اللَّه عن النبيّ وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختصّ من الدّعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتّوفيق، وإدخال الجنة، كقوله عزّ ذكره: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ولكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[البقرة: ٢٧٢]، {ولَوْ شاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى}⁣[الأنعام: ٣٥]، {وما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ}⁣[النمل: ٨١]، {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}⁣[النحل: ٣٧]، {ومَنْ يُضْلِلِ الله فَما لَه مِنْ هادٍ}⁣[الزمر: ٣٦]، {ومَنْ يَهْدِ الله فَما لَه مِنْ مُضِلٍّ}⁣[الزمر: ٣٧]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[القصص: ٥٦] وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِه النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}⁣[يونس: ٩٩]،


(١) الآية: {ونَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ وقالُوا الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي هَدانا لِهذا}.

(٢) قد نقل ابن القيم هذه الهدايات الأربع في عدة مواضع من كتبه. انظر مثلا: بدائع الفوائد ٢/ ٣٥ - ٣٧.

(٣) الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ واللَّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.