هدى
  وقوله: {مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ}[الإسراء: ٩٧]، أي: طالب الهدى ومتحرّيه هو الذي يوفّقه ويَهْدِيه إلى طريق الجنّة لا من ضادّه، فيتحرّى طريق الضّلال والكفر كقوله: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ}[التوبة: ٣٧]، وفي أخرى {الظَّالِمِينَ}[التوبة: ١٠٩]، وقوله: {إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر: ٣] الكاذب الكفّار: هو الذي لا يقبل هدايته، فإنّ ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، ومن لم يقبل هِدَايَتَه لم يهده، كقولك: من لم يقبل هَدِيَّتِي لم أهد له، ومن لم يقبل عطيّتي لم أعطه، ومن رغب عنّي لم أرغب فيه، وعلى هذا النحو: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة: ١٠٩] وفي أخرى: {الْفاسِقِينَ}[التوبة: ٨٠] وقوله: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى}[يونس: ٣٥]، وقد قرئ: {يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى}(١) أي: لا يهدي غيره ولكن يهدى. أي: لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له، ولو هدي أيضا لم يهتد، لأنها موات من حجارة ونحوها، وظاهر اللَّفظ أنه إذا هدي اهْتَدَى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ}[الأعراف: ١٩٤] وإنّما هي أموات، وقال في موضع آخر: {ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ والأَرْضِ شَيْئاً ولا يَسْتَطِيعُونَ}[النحل: ٧٣]، وقوله ø: {إِنَّا هَدَيْناه السَّبِيلَ}[الإنسان: ٣]، {وهَدَيْناه النَّجْدَيْنِ}[البلد: ١٠]، {وهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الصافات: ١١٨] فذلك إشارة إلى ما عرّف من طريق الخير والشّرّ(٢)، وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع وكذا قوله: {فَرِيقاً هَدى وفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}[الأعراف: ٣٠]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}[القصص: ٥٦]، {ومَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَه}[التغابن: ١١] فهو إشارة إلى التّوفيق الملقى في الرّوع فيما يتحرّاه الإنسان وإياه عنى بقوله ø: {والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً}[محمد: ١٧] وعدّي الهِدَايَةُ في مواضع بنفسه، وفي مواضع باللام، وفي مواضع بإلى، قال تعالى: {ومَنْ يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران: ١٠١]، {واجْتَبَيْناهُمْ وهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام: ٨٧] وقال: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ}[يونس: ٣٥] وقال: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى}[النازعات: ١٨ - ١٩].
  وما عدّي بنفسه نحو: {ولَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً}[النساء: ٦٨]،
(١) قرأ حمزة والكسائي وخلف يهدي.
(٢) مجاز القرآن ٢/ ٢٩٩.