مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

هدى

صفحة 838 - الجزء 1

  {وهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}⁣[الصافات: ١١٨]، {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}⁣[الفاتحة: ٦]، {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ الله}⁣[النساء: ٨٨]، {ولا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً}⁣[النساء: ١٦٨]، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ}⁣[يونس: ٤٣]، {ويَهْدِيهِمْ إِلَيْه صِراطاً مُسْتَقِيماً}⁣[النساء: ١٧٥].

  ولمّا كانت الهِدَايَةُ والتّعليم يقتضي شيئين:

  تعريفا من المعرّف، وتعرّفا من المعرّف، وبهما تمّ الهداية والتّعليم فإنه متى حصل البذل من الهَادِي والمعلم ولم يحصل القبول صحّ أن يقال: لم يَهْدِ ولم يعلَّم اعتبارا بعدم القبول، وصحّ أن يقال: هَدَى وعلَّم اعتبارا ببذله، فإذا كان كذلك صحّ أن يقال: إنّ اللَّه تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتّعليم، وصحّ أن يقال: هَدَاهُمْ وعلَّمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الْهِدَايَةِ. فعلى الاعتبار بالأول يصحّ أن يحمل قوله تعالى: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}⁣[التوبة: ١٠٩]، {والْكافِرِينَ}⁣[التوبة: ٣٧] وعلى الثاني قوله ø: {وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}⁣[فصلت: ١٧] والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه اللَّه فلم يهتد، كقوله: {وأَمَّا ثَمُودُ} الآية، وقوله: {لِلَّه الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} إلى قوله: {وإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله}⁣(⁣١) [البقرة: ١٤٢ - ١٤٣] فهم الَّذين قبلوا هداه واهتدوا به، وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}⁣[الفاتحة: ٦]، {ولَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً}⁣[النساء: ٦٨] فقد قيل: عني به الهِدَايَةُ العامّة التي هي العقل، وسنّة الأنبياء، وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول: اللَّهمّ صلّ على محمد وإن كان قد صلَّى عليه بقوله: {إِنَّ الله ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}⁣[الأحزاب: ٥٦] وقيل: إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشّهوات، وقيل: هو سؤال للتّوفيق الموعود به في قوله: {والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً}⁣[محمد: ١٧] وقيل: سؤال للهداية إلى الجنّة في الآخرة، وقوله ø: {وإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله}⁣[البقرة: ١٤٣] فإنه يعني به من هداه بالتّوفيق المذكور في قوله ø: {والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً}.

  والهُدَى والهِدَايَةُ في موضوع اللَّغة واحد لكن قد خصّ اللَّه ø لفظة الهدى بما تولَّاه


(١) الآيتان: {لِلَّه الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْه وإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه}.