ومن كرم شمائله وعظيم أخلاقه إعراضه عن عمرو بن العاص حين كشف عورته في بعض أيّام صفّين، وفي هذا نهاية كرم الأخلاق، ومثله بسر بن أرطاة حين كشف له عن عورته ولّى عنه، وتركه بعد أن تمكّن من قتله وقتل عمرو بن العاص.

  وهذه إن نسبتها إلى «كرم الشمائل» فهي واسطة قلادتها، وإن نسبتها إلى شرف الفضائل فهي نمرقة سيادتها، وإن جعلتها من التقوى، فهي تاج في رأسها، وقاعدة من أساسها.

  و لنختم كلامنا في شرح هذا الاسم بأنّ خلق أمير المؤمنين # كخلق سيد المرسلين ÷، وفي ذلك ما رواه الإمام الحافظ في كفاية الطالب: قال ÷ في أمير المؤمنين كرّم الله وجهه لأمّ سلمة ^: «سجيّته سجيّتي، ودمه كدمي، وهو عيبة علمي، فاسمعي واشهدي، لو أنّ عبداً من عباد الله عبد الله ø ألف عام، وألف عام بعد ألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقي الله تعالى مبغضاً لعلي وعترتي كبه الله على منخره في نار جهنّم يوم القيامة»⁣^(⁣١).

  فصرّح ÷ بأن سجيّة أمير المؤمنين كسجيّته في نفسه، وفي هذا كمال الفضل العظيم.

١٠٢ - كثير العبادة

  هذا الاسم مأخوذ من كثرة عبادته الله تعالى وذلك أمر معلوم، وقد قدّمنا طرفاً من ذلك ونزيده بياناً، قال في الكفاية بإسناده عن أبي أيّوب قال: قال رسول الله ÷: «لقد صلّت الملائكة علَيَّ وعلى علي سبع سنين، لأنّا كنّا نصلّي ليس معنا أحد يصلّي غيرنا»⁣^(⁣٢).

  فهذه فضيلة لم يشاركه فيها أحد من الصحابة، وهي زيادة في العبادة.

  وروى عن أمّ سعيد سُرّية على # أنّها سئلت عن صلاة أمير المؤمنين في رمضان؟

  فقالت: ما كان صلاته في رمضان وشوّال إلّا واحدة، يحيي كلّه⁣^(⁣٣).

  ومعناها أنّ شهر شوّال وغيره من الشهور كرمضان يُحييه كلّه بالصَّلاة، وهذه هي «كثرة العبادة».

(١) كفاية الطالب، ص ٣١٢.

(٢) نفس المصدر، ص ٣٩٨.

(٣) نفس المصدر، ص ٣٩٩.