الهائم في الاستهتار بذكر الله
  ثمّ نادى مناديه: لا يُجهز على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا امرأة، ومن دخل داره وألقى سلاحه فهو آمن، وما حوت المنازل والدور فهو ميراث.
  هذه سيرته في أهل البغي.
  وأمّا سيرته في الكفّار: فكما وصفه ابنه محمد بن الحنفيّة حيث قال: ثمّ إذا تكافح السيفان، وتبادرت الأقران، وطاح الوشيج، واستسلم الوسيط، وغمغمت الأبطال، ودُعِيَتْ نزالِ، وعردت الكماة، وقلصت الشفاة، وقامت الحرب على ساق، وسألت عن إبراق، ألفيتَ أمير المؤمنين مثبتاً لقُطبها، مدبراً لرَحاها، دلافاً للبُهُم، ضراباً للقلل، سلّاباً للمُهَج، برّاكاً للوُنْية، مُثْكِلَ أُمّهاتٍ، ومُؤَيّم أزواجٍ، ومُؤتِم أطفالٍ، طامحاً في الغمرة، راكداً للجولة، يهتف بأولاها فينكفئ على أخراها فآونة يكفأها(١)، وفينةً يطويها طيَّ الصحيفة، وتارةً يفرّقها فرق الوفرة.
  وتفصيل أخباره في الحروب يخرجنا عن المقصود.
٢٦٠ - الهائم في الاستهتار بذكر الله
  الاستهتار التولّع بالشيء، استهتر فلان بكذا: إذا تولّع به ولم ينفصل عنه.
  وهذه صفة أمير المؤمنين في تولّعه بذكر الله واستهتاره بعبادته لله، وقد تقدّم لنا كلام في هذا.
  والهائم: من هام يهيم فهو هائم: إذا ذهب على وجهه من شدّة العشق، وقد قال في الصحاح: الهيام كالجنون من العشق(٢).
  وهذه صفة أهل الجدّ في العبادة، تراه كالمخالَط في عقله، وقد قال أمير المؤمنين في صفته لهم: «ينظرهم الناظر فيحسبهم مرضي، وما بالقوم من مرضٍ، ويقول: قد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم»(٣).
  فهذه صفة الأبدال.
(١) المناقب للخوارزمي، ص ١٤١ قريب منه.
(٢) الصحاح للجوهري، ٥/ ٢٠٦٣.
(٣) نهج البلاغة، ص ٣٠٤، الخطبة ١٩٣.