الباسل
  قلت: الأمر في وصفه # بالبلاغة أظهر من الشمس، وله في أساليبها ما ليس لأحد من الصحابة، وهو كما قال السيد الرضي حيث قال: لأن كلامه # الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وعبقة من الكلام النبوي(١).
  قال ابن أبي الحديد: لو قال مكان «العلم»: «الكتاب ...» كان أحسن(٢).
  وهو كما ذكر، ليوازن بالكتاب الكلام. فيكون السجع متوازنا وهو في علم البديع يسمى الطباق.
١٩ - الباسل
  البسالة الشجاعة، وهذا الاسم مشتق له # من فعله.
  وقد وصفه ابن أبي الحديد في ذلك فقال: أما الشجاعة فإنّه # أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحروب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرّ قط، ولا إرتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلّا قتله، ولا ضرب ضربة فاحتاجت الأولى إلى ثانية، وفي الحديث: «كانت ضرباته وتراً».
  ولمّا دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح النّاس من الحرب بقتل أحدهما صاحبه، قال له عمرو بن العاص: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلّا اليوم، أتامرني لمبارزة أبي حسن، وأنت تعلم أنّه هو! أراك طمعت في إمارة الشام بعدي!
  وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته.
  فأمّا قتلاه فافتخار رهطهم بأنّه # قتلهم أكثر، وأظهر، قالت أخت عمرو بن عبدود ترثي أخاها:
  لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في جسدي
  لكن قاتله من لا نظير له ... وكان يدعى أبوه بيضة البلد
  وانتبه معاوية يوماً فرأى عبدالله بن الزبير جالساً عنده على سريره فقعد فقال له عبدالله:
(١) نهج البلاغة، ص ٣٤.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ٤٦/ ١.