لؤلؤة عقد الصحابة
  فأمير المؤمنين # في الحقيقة بحر العلم المحيط، وغيره من العلماء كالأوشال والقلوت. ولا غرو علمه من علم النبوّة مجتلب، ومن نوره مشكاة الرسالة مجتذب.
١١٤ - لؤلؤة عقد الصحابة
  جرت عادة البلغاء أن يصفوا من فاقت محاسنه وراقت محامده. وظهرت فضائله، وبهرت شمايله، بأنّه واسطة العقد ودرة التقصار، ولؤلؤة التاج، وجوهرة السمط، ونمرقة الإكليل، وأنشدوا في ذلك:
  ماكنت في العقد إلّا كنت واسطةً ... وكنّ حولك يمناها ويسراها
  ولمّا كان أمير المؤمنين # فوق وصف من وصفه، وحريّ بقول من قال: «من وصفه ما أنصفه» رأيت مظهر هذا الاسم في جملة أسمائه الشريفة وألقابه الزكيّة عملاً بمتداول البلغاء في أُسلوبهم وصباً لهذا الاسم في قالبهم، وإن كان غيره أظهر منقبة وأرفع مرتبة، وهو ما دلّ عليه دليل شرعي، أو حسن اشتقاقه من فعل الوصيّ.
  وفيه إلمام بمعنى الخيار، لأنّ لؤلؤة العقد وسطه، ووسط كلّ شيء خياره، وقد عدّ أبو الخطاب من جملة الأسماء النبويّة «واسط» وأهمل شرحه.
  وشرحته شرحاً موافقاً لمعناه، لأنّ الوسط من كلّ شيء خياره، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣].
  وقال ابن فارس في مجمله: الوسط من كلّ شيء أعدله، وقال: يقال هذا واسطة قومه وأرفعهم محلاً؛ إذا كان أوسطهم حسباً(١).
  وأمير المؤمنين # أوسط قومه نسباً وأرفعهم حسباً، وهو الحاكم العدل، المتكلّم بالفصل.
  وقال الجوهري في صحاحه: فلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسباً وأرفعهم مجداً(٢). وواسطة القلادة الجوهر الذي يكون في وسطها، وهو أنفسها.
  وهذا هو الذي أردناه بهذا الاسم.
(١) مجمل اللغة لابن فارس، ٤/ ٩٣٤.
(٢) الصحاح للجوهري، ٣/ ١١٦٧.