البروج في أسماء أمير المؤمنين (ع)،

الهادي بن إبراهيم الوزير (المتوفى: 822 هـ)

العفيف

صفحة 204 - الجزء 1

  الأصحاب قال #: «لقد رأيت أصحاب محمّد ÷ فما أرى أحداً يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، قد باتوا سجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقومون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم! إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاءً للثواب»⁣(⁣١).

  فهذه صفته # قد أظهرها لأولي الألباب والأفهام.

  وعن أبي الدرداء: ألا أخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشكرهم اجتهاداً في العبادة قالوا: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب، ثمّ قال: شهدت عليّاً وقد اعتزل من مواليه واختفى ممَّن يليه، واستتر بِفُسلان النخل فابتعد به، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: «إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمّل غير غفرانك، ولا أنا براجٍ غير رضوانك».

  فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو عليٌّ بعينه، يركع ركعات في جوف الليل، ثمّ فزع إلى الدعاء، يتجه للسوي، ثمّ انغمر في البكاء فلم أسمع له حسّاً فأتيته فإذا هو ملقى كالخشبة، فحرّكته فلم يتحرّك، قلت: مات والله علي بن أبي طالب فأتيت فاطمة فأخبرتها، فقالت: «هي والله الغشية التي تأخذه من خوف الله»، فنضحوا بماء وجهه فأفاق.

  وله في هذا غرائب لا يأتي عليها الإقصاء.

١٧٣ - العفيف

  هذا الاسم مأخوذ له # من عفّته عن أموال الله، وتورّعه عن حقوق الله وصيانته عن نفسه وأولاده وقرابته ما جمعه في بيت مال المسلمين من بلاد الله فلقد كانت تجبى إليه البلاد كلّها شرقاً وغرباً ويميناً، إلّا ما كان من الشام، فكانت الأموال تجتمع من البلدان كلّها، وهو عفيف عنها لا يدّخر منها وقراً، ولا يكتسب منها تبراً، وكيف يأخذ منها؟ مَن قال: «أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على


(١) نهج البلاغة، ص ١٤٣، الخطية ٩٧.