الطعان إذا اشتجر المران
  وإذا شئت أن تعرف صحة هذه الاستعارة واستقامة هذه الإشارة فانظر إلى كلماته في نهج البلاغة ومواعظه وآدابه، وكتبه إلى أقاربه وعمّاله، وحكمه المنثورة في أثناء كلامه من فرائد أقواله، فإنّك ترى فيما هنالك عجباً؛ وتعرف أنّ لهذا الاسم فيما تراه موجباً.
١٩٤ - الطعّان إذا اشتجر المران
  هذا الاسم مأخوذ من فعله، وهو الذي علّم قريشأ الطعن.
  وقال في بعض خطبه: «والتووا في أطراف الرماح فإنّه أمْوَرُ للأسنة»(١) ولم تسمع هذه الكلمة من أحدٍ قبله.
  وقال في بعض كلامه: «وعضّوا على النواجذ فإنه أنبا للسيوف عن الهام، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلّها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، وطيبوا عن أنفسكم نفساً، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً»(٢).
  سبحان الله ما جمع الله من الفضل في هذا الرجل!
  انظروا إلى تعليمه القتال، وعلمه بكيفية الطعن والضرب، وقلقلة السيوف والالتواء في أطراف الرماح، وتهويته الموت الأحمر حتّى قال: «وامشوا إليه مشيا سجحاً» أي سهلاً، كالماشي إلى ما يرغب إليه ويشتهيه.
  جمع # بين تعليم الحرام والحلال، وتعليم الضرب والطعن والقتال، وبين تعليم الزهد ومحاسن الخلال، وتعليم الحكمة على أنواعها وكرائم الخصال، فلقد فاق في المقال وفاق في الفعال، واستولى على نصاب الكمال، وساد سادات الرجال، وعلّم العباد والزهّاد والأبطال، واستولى على الغايات التي لا تنال ولا تطال، فسلام الله على روحه في الأرواح، وجسده في الأجساد في مساء وصباح(٣).
(١) نهج البلاغة، ص ١٨٠، الكلام ١٢٤.
(٢) نفس المصدر، ص ٩٧، الخطبة ٦٦.
(٣) ذكر المصنّف (ره) في المستدرك من كتابه: وفي اسم «الطعان» في حرف الطاء
لما تقاعس محمّد بن الحنفية يوم الجمل عن الحملة وكان قد أنفذ إليه أبوه # لا يستحثه ويأمره بالمناجزة، فلَما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال: «أقدم لا أمّ لك».
وكان محمّد إذا ذكر ذلك بعدُ يبكي ويقول: لكأنّي أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا أنسى ذلك أبدأ. =