ثكم الحق الواضع
  ولكنّه أبى إلّا الصّفح والعفو، وتقيّل سنّة رسول الله ÷ يوم الفتح، فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد، والإساءة لم تنس.
  ولمّا ملك عسكر معاوية عليه الماء، وأحاطوا بشريعة الفرات، قال رؤساء أهل الشام: اقتلوهم بالعطش، كما قتلوا عثمان عطشاً، فسألهم علي # وأصحابه أن يسوغوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله ولا قطرة حتّى تموتوا ظمأً كما مات ابن عفّان؛ فلمّا رأى # أنّه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وقال لهم: «ارووا السيوف من الدماء ترووا من الماء»(١) وحمل، وحملوا على عسكر معاوية حملات كثيفة حتّى أزالوهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع، سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة، لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء، يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب.
  فقال: «والله لا أكافتهم بمثل فعلهم. افسِحوا لهم عن بعض الشَّريعة، ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك».
  فهذه إن نسبتها إلى العلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله #(٢).
٤٢ - ثكم الحقّ الواضع
  تكم الطريق وسطه، قال في النهاية في حديث أمّ سلمة، قالت لعثمان بن عفّان: «توخّ حيث توخّي صاحباك، فإنهما ثكما لك الحقّ ثكماً». أي بيناه وأوضحاه(٣).
  ويقال: ثكمت الطريق؛ إذا لزمتها.
  والأصل في تسميته # بهذا الاسم ما رواه الحافظ المحدّث في كفاية الطالب: أنّ رسول الله ÷ [قال]: «إنّ ربّ العالمين عهد إليّ عهدأ في علي بن أبي طالب، فقال: إنّه راية الهدي ومنار الإيمان»(٤)، فسمّاه منار الإيمان.
(١) نهج البلاغة، ص ٨٨، الخطبة ٥١.
(٢) شرح نهج البلاغة، ١/ ٢٢ - ٢٤.
(٣) النهاية لابن الأثير، ١/ ٢١٧.
(٤) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، ص ٢١٥.