البليغ
  وليس هذا الحديث في حقه بكثير، لأنّ رتبته عند الله ø وعند رسوله، وعند المؤمنين من عباده أجل وأعلى من ذلك(١).
١٨ - البليغ
  هذا الاسم ذكره أبو الخطاب من أسماء رسول الله ÷ فأثبتناه من أسماء أمير المؤمنين كرّم الله وجهه لأنّه # سيّد البلغاء، وهو كما وصفه السيّد الرضي في خطبة نهج البلاغة، حيث قال: إذ كان أمير المؤمنين # مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه # ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته هذا كلّ قائل خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق، وقصروا، وتقدم وتأخروا، إلى أخر كلامه في هذا الفصل(٢).
  قال العلامة ابن أبي الحديد: في شرحه وقد ذكر خصائص أمير المؤمنين # حتّى قال: وأمّا الفصاحة فهو # إمام الفصحاء، وسيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: «دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين»، ومنه تعلم النّاس الخطابة والكتابة:
  قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثمّ فاضت. وقال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزاً، لا يزيده الإنفاق إلّا سعة وكثرة، حفظت مأتي(٣) فصل من مواعظ علي بن أبي طالب #.
  ولما قال محفن ابن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعبى الناس! قال له: ويحك! كيف يكون أعيى النّاس!، والله ماسنّ الفصاحة لقريش غيره.
  قال ابن أبي الحديد: ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يجاري في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحدٍ من الفصحاء الصحابة، العُشر ولا نصف العشر ممّا دوّن له، وكفاك في هذا الباب: ما يقوله أبو عثمان الجاحظ: من مدحه في كتاب «البيان والتبيين» وفي غيره من كتبه، انتهى كلامه(٤).
(١) كفاية الطالب، ص ٢٢٢ و ٢٢٣.
(٢) نهج البلاغة، ص ٣٤.
(٣) في المصدر «مائة» بدل «مأتي».
(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ١/ ٢٤ و ٢٥.