الظائر للهوى على الهدى
  حتّى قال: «فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها والمرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها»(١).
  إلى غير ذلك من كلامه المشهور في الزهد ومنع النفس عن الشهوات وأكل الطيّبات، ولباس الثياب المدبجات.
  ونذكر هاهنا ما رواه ابن أبي الحديد في زهده، وكيف كان طعامه قال فيه: سيّد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده ينفض الأحلاس، ما شبع من طعام قطّ، وكان أخشن النّاس مأكلاً وملبساً.
  قال عبيدالله بن أبي رافع كاتبه #: دخلت إليه يوم عيد فقدّم جراباً مختوماً، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فقدّم فأكل منه، فقلتُ: يا أمير المؤمنين وكيف تختمه؟ قال: «خفت هذين الولدين أن يليّناه بسمن أو زيت».
  وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارةً وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وحمايل سيفه ليف، وكان يلبس الكرابيس الغليظ، فإذا وجد كمّه طويلاً قطعه بشفرةٍ ولم يخطه فكان لا يزال متساقطاً على ذراعيه حتّى يبقى سدى لا لُحمة له، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو ملح، فإن ترقّي عن ذلك فبعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلك فقليل من ألبان الإبل، ولا يأكل اللحم إلّا قليلاً ويقول: «لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوان».
  وكان مع ذلك أشدّ النّاس قوةً وأعظمهم أيّداً، لم ينقص الجوع قوّته، ولا يُخَوِّن الإقلال متنه(٢).
٢٠٥ - الظائر للهوى على الهدى
  ظأرت الناقة ظأراً وهي ناقة ظأور، ومظؤورة: إذا عطفتها على ولدها، وفي المثل: «الطعن يظأره» أي يعطفه على الصلح.
  وهذا الاسم أخذناه له # من كلامه في نهج البلاغة حيث قال يصف نفسه: «يعطف
(١) نهج البلاغة، ص ٤١٨، الكتاب ٤٥.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي العديد، ٢٦/ ١.