روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

19 - حول فضائل شهر رجب

صفحة 181 - الجزء 1

  ختمتين، وفي الليل ختمة قياماً وتلاوة، ويضاعف الصلوات والأذكار التي في سائر السنة، فإذا خرج من هذه العكفة المباركة شاهدت نوراً يلمع على وجهه، ولو كشط لحمه لما ملأ الكفين، والله أعلم، ويكاد يُدْرَكُ بياضُ العظم من رقة جلده، ثم قال:

  رَوَى لي بعض إخوان سيدي إبراهيم الكينعي ® أنه شاهد إبراهيم صلى الشعبانية مائة ركعة بين العشاءين، وكانت الصلاة والتلاوة عليه سهلة يسيرة، وكان ذلك دأبه يصليها بين العشاءين في كل ليلة من الثلاثة الأشهر [شهر رجب، وشعبان، ورمضان].

  قلت له يوماً: أنَّى يتهيأ لك هذا الختم؟ وقد قال ÷ «من قرأه دون ثلاثة أيام لم يفقه» فقال: إن الله سهَّل عليَّ ذلك، وأجد خفة في لساني في الصلاة والتلاوة ولا أجدها في سائر الكلام، وإني لو أتدبر كتاب ربي لما استطعت أن أَمُرَّ بآية وعيد.

  أيها المؤمنون: فإنكم في شهر عظيم، ويوم عظيم، فنحن في شهر رجب، وفي أول جمعة منه، حيث كان لأهل اليمن وخاصة قبائل همدان في أول جمعة من رجب فضيلة لا توازيها الفضائل، ومنقبة لا تساويها المناقب، وذلك أن النبي ÷ لما أرسل أمير المؤمنين علياً # إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام والإيمان، فوصل إلى اليمن في غرة شهر رجب، فاجتمعت إليه قبائل همدان كلها في يوم الجمعة، وهي أول جمعة من رجب، فدعاهم إلى الإسلام، ووعظهم وذكرهم، فأسلموا جميعاً في يوم واحد، على يد أمير المؤمنين علي #، فلما علم النبي ÷ بذلك سجد لله شكراً، فلهذا نرى لأهل اليمن وخاصة همدان مزيدَ عناية بأول جمعة من رجب، لهذا السبب.

  فأهل اليمن لم يحتاجوا في إسلامهم إلى السيف كغيرهم من أهل البلدان، بل أجابوا داعي الله مسرعين، فهم أهل السابقة والفضيلة، ولهم مناقب سامية ليست لغيرهم،