11 - حول الكبر
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي لا يَخفِرُ من انتصر بذمته، ولا يَقْهَرُ من استتر بعظمته، ولا يُكدِي مَن أذاعَ شكر نعمته، ولا يَهلَكُ من تغمده برحمته.
  ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، فرداً صمداً، ليس له ند ولا شبيه.
  ونشهد أن محمداً عبدُه المصطفى، ورسولُه المجتبى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الهداة.
  أما بعد: أيها المؤمنون: ومن أنواع الكبر: أن يتكبر العبد بما خوله الله وأنعم به عليه من نعمه، فهو يتبختر ويتكبر ويتعالى بما قسمه الله له ووهبه له، يتكبر بنعمة من نعم الله أتاه الله إياها، فهو يتكبر إما لسعة في المال، أو حصوله على منصب وجاه، وينسى أن الله هو الذي أعطاه وهو قادر على صرف ذلك عنه، ألا يتذكر ذلك المتكبر بنعمة الله أن أوّلَه نطفةٌ مذرة، وآخرَه جيفةٌ قذرة، وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة.
  يا مظهرَ الكبرِ إعجاباً بصورته ... انظر خلاك فإنَّ النتنَ تَثرِيبُ
  لو فكّر الناسُ فيما في بطونِهِمُ ... ما استشعرَ الكِبْرَ شُبَّانٌ ولا شِيبُ
  هل في ابنِ آدمَ مثلُ الرأسِ مَكرُمَةٌ ... وهو بخمسٍ من الأقذارِ مضروبُ
  أنفٌ يسيلُ وأذنٌ ريحها سَهَكٌ ... والعينُ مُرفَظَّةٌ والثَّغْرُ ملعُوبُ
  يا ابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً ... أَقصِرْ فإنَّك مأكولٌ ومشرُوبُ
  ومن أشد المتكبرين مقتاً وهواناً على الله: نوع لم يُؤتَوا من أسباب الكبر شيئاً، ومع ذلك تأبى نفوسهم المريضة إلا الكبر، وهو الفقير المتكبر، كما قال النبي ÷: «ثلاثةٌ لا يُكَّلِمُهُمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يُزكيهم ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ أليم، وذكرَ منهم: وعائلٌ (أي فقير) مستكبر».