روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

5 - حول حقيقة محبة الله

صفحة 38 - الجزء 2

٥ - حول حقيقة محبة الله

الخطبة الأولى

  

  الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ حُبَّهُ أَشرَفَ المكاسِبِ، وأعظمَ المواهِبِ، أَحمَدُهُ وأشكُرُه على نعمةِ المطاعِمِ والمشارِبِ، حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ.

  وَأشهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، المُنزَّهُ عن النقائِصِ والمعَايِبِ، الذي خَلَقَ الإنسَانَ من ماءٍ دافِقٍ يخرجُ من بين الصُّلبِ والتَّرَائِبِ.

  وأشهدُ أَنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا محمدَاً عَبْدُهُ ورسولُهُ الداعِي إلى أشرفِ الفضائِلِ والمنَاقِبِ، المُطَهَّرُ عن الشَّوَائِبِ، والمُنَزَّهُ عن المثَالِبِ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وعترتِهِ الأطَايبِ.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  مِن الصِّفَاتِ الإنسَانِيَّةِ، ومن طبيعة الحياة البشرية الحبُّ والبغضُ، فلا يخلو كُلُّ إنسانٍ مِن حُبٍّ وبُغْضٍ، وغالباً مَا يكونُ الحبُّ والبُغضُ مَبنيَّاً على المنفَعَةِ والمضَرَّةِ، فالجهةُ التي تَأتي منهَا المنفَعَةُ للإنسانِ، وتجلِبُ له المصلحةَ، وتُوافِقُ هَوَاهُ وشَهْوَتَهُ تَرَاهُ يَتَّجِهُ إليها حُبُّهُ وتعظِيمُهُ، والجهةُ التي تَأتِي مِنهَا المضَرَّةُ على الإنسَانِ، أو تجلبُ له المفسدةَ، أو تخالِفُ هواهُ وشهوتَهُ تراه يَتَّجِهُ إليهَا بُغضُهُ وكراهَتُهُ، ولهذا يقال (جُبِلَتِ القلوبُ علَى حُبِّ مَن أَحْسَنَ إليهَا، وبُغضِ من أَسَاءَ إليهَا).

  فالحُبُّ والبُغْضُ طَبِيعَةٌ جِبِلِّيَّةٌ بَشَرِيَّةٌ، مُتَأَصِّلَةٌ في كُلِّ إِنسانٍ، وَيبتَنِي عليهَا الكَثِيرُ من المعَامَلَاتِ والحقوقِ، وتَكُونُ الأقوالُ والأفعالُ تابعةً لهما.

  فَإِذَا وُجِدَ الحبُّ صَدَرَ عنهُ الإئتِلَافُ والموَدَّةُ، والتَعَاونُ والرحمَةُ، فَتَسْعَدَ الجمَاعَاتُ والأُمَمُ والأفْرَادُ، وإذَا وُجِدَ البُغضُ صَدَرَ عنهُ القَطِيعَةُ والهُجرَانُ والتفرِقَةُ والاختِلَافُ والخِذْلَانُ والقَسوةُ والشِّدَّةُ، فَتَتَفَرَّقُ الجمَاعَةُ وتَفْسُدُ الأُمَمُ.