روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

11 - حول الكبر

صفحة 103 - الجزء 2

١١ - حول الكبر

الخطبة الأولى

  

  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ، وَاخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمَا حِمَىً وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ، وَاصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِهِ، وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَنَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً، وَبِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً.

  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ، وَإِخْلَاصٍ وَإِذْعَانٍ.

  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ، وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ، صَدَعَ بِالْحَقِّ، وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  من الصفات التي اتصف الله تعالى بها، وانفرد بالإختصاص بها تسمية ووصفاً، فلا يسمى بها غير الله، ولا يوصف بها سوى الله، هي المتكبر والمتعال، فهو تعالى ذو العظمة والعلو والكبرياء، فمن نازع الله في هذه الصفات قصمه وأذله وخذله، كما روي في الحديث القدسي عن الله تعالى: «الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيتُه في النار ولا أبالي»، فالكبرياء والعظمة صفتان لله تعالى لا يشاركه فيهما مشارك، ولا يجوز لأحد من المخلوقين أن يتعاطاهما، لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل والعبودية، فقد حرم الله تعالى الكبر والتعالي وكلَّ ما يدعو إليهما من التجبر والطغيان.

  فالكبر معصية كبيرة من أكبر الكبائر توقع العبد في مصيدة الكفر أو المعصية والمخالفة لله تعالى، فقد وقع في تلك المصيدة كثير من المكلفين، والأمم الماضين، فأول من وقع في تلك الشباك هو الشيطان، الذي تكبر عن السجود لآدم #، حين اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ