38 - موعظة عظيمة حول الموت
٣٨ - موعظة عظيمة حول الموت
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله العظيمِ شانُه، الواضحِ برهانُه، أحمده على حُسن البَلَاء، وتَظَاهُرِ النَّعماء، وأستعينه على ما آتانا من الدنيا والأخرى، وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلاً.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهاً واحداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يشركْ في حكمه أحداً.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ارتضاه لنفسه، وانتجبه لدينه، واصطفاه على جميع خلقه لتبليغ الرسالة بالحجة على عباده، فصلى الله عليه وعلى أهل بيته الأخيار.
  أما بعد: أيها المؤمنون:
  فإن الدنيا دارُ غرور، لا يدوم فيها سرور، ولا يُؤمنُ فيها محذور، جديدُها يبلى، وخيرُها يفنى، من وَثِقَ بها خدعته، ومن اطمأن إليها صرعته، ومن أكرمها أهانته، أفراحها تُعقبُ أحزاناً، ولَذَّاتُها تُورثُ أشجاناً، أعمارُها قصيرة، ورحاها مُديرة، وسهامُها قاصدة، وحتُوفُها راصدة، والمغرور من اغتر بها، والمخدوع من ركن إليها، من زهد فيها كُفِيَها، ومن رغب عنها وطيَها، قد غرت القرون الماضية، وهي على الباقينَ آتية، فيا بؤساً للباقين، لا يعتبرون بالماضين، يجمعون للوارثين، ويقيمون في محلة المتجبرين.
  فلنحذرْ خترَ الدنيا ومكرَها، وخدعَها وغدرَها، فإنها مُتَبَرِّجَةٌ لطلابِها، فلحذرها ولا نكن لها قتيلاً، ولنلتمس إلى النجاة منها سبيلاً، ولنعلم أنها مُرحِّلةٌ سكانَها، خائنة إخوانَها، قاتلةٌ أخدانَها، وأنَّ متاعَها قليلٌ، وخطبَها جليلٌ، ونعيمَها زائلٌ، وخيرَها مائلٌ.