روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

15 - حول البعثة النبوية

صفحة 138 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله أهل الحمد والثناء، ورب الأرض والسماء، وخالق الخلق والأنام، ومدبر الليالي والأيام، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أوجبها حكم الملة، وصدقها واضحُ الأدلة.

  وأشهد أن محمداً ÷ عبده ورسوله، الأمين الميمون، أرسله هادياً لخلقه، وداعياً إلى حقه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأبرار، وعترته الأطهار.

  أما بعد: أيها المؤمنون: لقد استجاب للدعوة، وهي في مهدها وفي بداية بزوغ شمسها، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونساء مؤمنات صادقات، من الأحرار والعبيد، ضربوا أروع أنواع البسالة والثبات، ومَثَّلُوا بصبرهم وصمودهم أقوى قوة أمام جبروت قريش وصناديدها، الذين قاموا بأنواع الأذى والتعذيب والضرب لكل من علموا بأنه آمن بمحمد أو صدقه حتى وصل بهم الحد إلى القتل والعسف بمن آمن، ومن لم يقتل أذاقوه أنواع الأذى والتعذيب، وهدف المشركين من ذلك، هو القضاء على الدعوة وهي لا تزال في أول مراحل نموه، ولكن وجدوا أمامهم دروعاً لا تؤثر فيها الشدة إلا جدة، فمنهم من قتلوه كياسر وزوجته، ومنهم من كانوا يعذبونه حتى يفقد الوعي، ومنهم من يرمونه على الحجارة المحماة بالنار، ومنهم من يضعون على صدره الحجارة التي يكاد يموت من ثقله، ومنهم من يحمون له الحديد فيضعونه على ظهره، ووصلت بهم التفاهة والحقارة والنذالة إلى أن تعدوا حتى على النساء المؤمنات فمنهن من عذبت حتى فقدت بصرها، ومنهن من عذبت حتى ماتت، كل ذلك لا يزيدهم جميعاً رجالاً ونساء، أحراراً وعبيداً إلا تمسكاً بدينهم وثباتاً على يقينهم، وتصديقاً لنبيهم.