34 - في التوبة والإقلاع عن المعاصي
٣٤ - في التوبة والإقلاع عن المعاصي
الخطبة الأولى
  
  الحمدلله رب العالمين، الذي أمدنا بالنعم الجزيلة، وأفاض علينا من خيراته ومننه الجليلة، الذي يغفر الزلاّت، ويقيل العثرات، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، حمداً لا حد له ولا انتهاء، نستديم به النعم، ونستدفع به النقم.
  وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
  أما بعد: أيها المؤمنون: يحيط بالإنسان أعداء كثيرون، من شياطين الإنس والجن، والنَّفس الأمَّارة بالسوء، والهوى ومحبة الشهوات، كل هؤلاء يدعونه إلى الشهوات، ويقودونه إلى بحار الخطيئات، ويوقعونه في دنس الموبقات، فإذا لم يكن الإنسان ذا عقل راجح، ونظر ثاقب، ورأي سليم، فإنه سيقع في الذنوب، ويخوض في بحور صغائرها وكبائرها، فإذا واقع المعصية، وارتطم في شباك الخطيئة، قدح في قلبه خاطر الندم، ولاح له سوء فعله، فيشعر بضيق وحرج، ويتلوم على الذنب والخطيئة، فإن كان صادقاً في ذلك، دعاه ذلك إلى التوبة، وإن كان كاذباً فإنه سرعان ما يسهل على نفسه ارتكاب المعصية، ويهون على قلبه ما قد حله من الحرج، ويطفئ نار الندم التي كادت تشتعل، فيدعوه ذلك إلى الإصرار على المعصية، ويتبعها بغيرها.
  فأما إذا كان صادقاً فإن اللهَ هو العليم الحكيم، الرؤوف الرحيم، وقد فتح لعباده أبواب التوبة، ودلَّهم على الاستغفار، ووعدهم من فضله وكرمه أن يبدِّل سيئاتهم