29 - في فضل القرآن وتلاوته
٢٩ - في فضل القرآن وتلاوته
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله الذي جعل القرآن وسيلة إلى نيل منازل الكرامة، وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة، وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة، حمداً دائماً متسقاً، ومتوالياً مستوسقاً، يملأ الأرض والسماء، يكون لحقه أداء، ولشكره قضاء، نستزيد به النعم، ونستدفع به النقم، ليس لأوليته انتهاء، ولا لآخريته انقضاء.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي عَمّ الخلائق جدواه، وَتَمّ حكمه فيمن أضل منهم وهداه، وأحاط علماً بمن أطاعه وعصاه، شهادة مقرٍّ له بالعبودية خاشع، معترفٍ له بالوحدانية طائع، مستجيبٍ لدعوته خاضع، متضرعٍ لمشيته متواضع.
  وأشهد أن محمداً عبده الكريم، ورسوله الطاهر المعصوم، بعثه والناس في غمرة الضلالة ساهون، وفي غرة الجهالة لاهون، فقام ~ وآله فيهم مُجِدَّاً في الإنذار، آناء الليل وأطراف النهار، بعزم ثاقب، وحكم واجب، حتى انتشر الإيمان، وتفرق حزب الشيطان، وأعز الله جنده، وعُبِدَ وحدَه، صلى الله عليه وعلى آله في كل وقت وحين.
  أما بعد: أيها المؤمنون: يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: ١٨٥]، وروي عن النبي ÷ «رمضان ربيع القرآن»، أي وقته وموسمه، فرمضان شهر القرآن، فيه أنزل، وفيه يتلى ويرتل، ويبين ويفسر ويفصل، وقد كان النبي ÷ يهتم بالقرآن اهتماماً كبيراً، ويعلمه أصحابه، ويعلمهم تفسيره، وكان يتدارس القرآن مع جبريل الأمين في كل سنة في شهر رمضان، يعرض عليه ما قد نزل عليه في كل عام، فلما كان العام الذي توفي فيه ÷ قرأ القرآن مع جبريل مرتين، وعرضه عليه مرتين.