روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

14 - فضل الأعمال اليسيرة المتهاون بها

صفحة 129 - الجزء 2

١٤ - فضل الأعمال اليسيرة المتهَاوَن بها

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله رب العالمين، مخرجِ الموجودِ من العدم، والسابقِ الأزليةِ بالقدم، والجوَادِ على الخلق بسوابغِ النعم، والعوَّادِ عليهم بالفضل والكرم، الذي لا يعجزه كثرةُ الإنفاق، ولا يُمسكُ خشية الإملاق، ولا يَنْقُصُه إدرارُ الأرزاق، ولا يُدرك بأُناسِيِّ الأحداق، أحمده على جزيل إحسانه، وأعوذ به من حلول خذلانه، وأستهديه بنور برهانه، وأؤمن به حقَّ إيمانه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يحويه حدٌّ ولا يدركُه نظر، ولا يُتَصَوَّرُ في الفِكَر، ولا يتمثلُ بجسم أو قُدَر، أو يُنسبُ إلى عرضٍ أو جوهر.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، المنتجبُ المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله ما بقي الأنام، وما تعاقبت الأيام، وتناوبت الأعوام، وما خطرت الأوهام، وتدبرت الأفهام.

  أما بعد: أيها المؤمنون: فإنّ من كريمِ فضلِ الله علينا، وجزيلِ عطائه وثوابِه لدينا، أنه تعالى تعبَّدنا بأمورٍ يسيرة في أدائها، عظيمةٍ في أجرها وثوابها؛ وذلك لمحبته تعالى للمؤمنين، وإكرامه لهم، بما أعدّ لهم من الثواب العظيم في جنته، وتلك الأعمالُ اليسيرةُ تزيدُ المؤمنَ إيماناً ومداومةً على المسابقة إلى فعل الخيرات، والطمعِ في مرضاة الله، والبحثِ عن الأعمال التي تُكَثرُ الحسنات وتكفرُ السيئات.

  لأن الله تعالى هو الذي يضاعف الدرجات، ويقبل التوبة من عباده، ويحبّ التوَّابين، ويتجاوز عن المذنبين المسيئين إن صدقوا التوبة ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون.

  وتلك الأعمال اليسيرة قد فرط فيها الكثير من الناس إما جهلاً لفضلها، أو انشغالاً بما يلهي عنها، أو استثقالاً لها، لأنها وإن كانت أعمالاً سهلة، ولكن ثوابها كثير، فالشيطان يحرص على إبعاد الإنسان عن التسبب في الأجر الكثير، كما أنه يسعى ليوقعه في العذاب الكبير.