19 - الصدق والكذب
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله وكفى، ولي الحمد وأهله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، لا غاية له ولا انتهاء.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء.
  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين والأنبياء، ~ وعلى آله الأتقياء.
  أما بعد أيها المؤمنون: إن من علاماتِ الساعة أن يفشوَ الكذبَ، كما روي عن النبي ÷ أنه قال «لا تقوم الساعةُ حتى تظهرَ الفتنُ، ويكثرَ الكذبُ، وتتقاربَ الأسواقُ، ويتقاربَ الزمانُ، ويكثُرَ الهرجُ»، قيل: وما الهرجُ؟ قال: «القتل»، ومن علاماتِها أن يصدَّقَ الكاذبُ، وتستقبِله وسائلُ الإعلامِ ليتكلم بالكذب، وفي المقابلِ يُكذَّبَ الصادقُ، ويُتهم بما ليس فيه، ولا يسمحُ له بالكتابةِ أو الظهورِ للإدلاء بكلمة الحق والصدق، كما روي عن النبي ÷: «إن أمامَ الدجالِ سنينُ خَدَّاعةٌ؛ يُكَذَّبُ فيها الصادقُ، ويُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويُؤتمنُ فيها الخائنُ، ويَتَكلمُ فيها الرويبضةُ»، قيل: وما الرويبضةُ؟ قال: «الفويسقُ يتكلمُ في أمرِ العامةِ».
  فاحذروا رحمني الله وإياكم من الكذب، فإنه بئس الطريقة والمذهب، والكذب أنواع وأقسام، فمنها الكذب في عبادة الله، فاحذروا أن تعبدوا الله رياءً أو سمعةً أو خداعًا ونفاقًا، ومنها الكذب في اتباع رسول الله لا تبتدعوا في شريعته ما ليس فيها، ولا تخالفوه في هديه فتضلوا، ومنها الكذب على الناس لا تخبروهم بخلاف الواقع، ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة.
  أيها المؤمنون: الكذب من خصال المنافقين، كما قال تعالى {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١}[المنافقون]، وكما يقول تعالى {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ١٠}[البقرة]، وكما يقول ﷻ: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ١٠٥}[النحل].