روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

4 - في معنى الإخلاص

صفحة 35 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ÷.

  أما بعد أيها المؤمنون: وأما القسم الثاني من الإخلاص فهو الإخلاص في الأعمال:

  والإخلاص في العمل يتبع الإخلاص في التوحيد، فمن أخلص في التوحيد سَهُل عليه الإخلاص في العمل، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد أنه لا نافعَ ولا ضارَ، ولا رافعَ ولا واضعَ، إلا اللهُ تبارك وتعالى، انقطع طمعه عن المخلوقين، ولم يلتفت إلى ارتفاع منزلته عندهم ولا سقوطها بينهم، إذ هم لا يرفعون ولا يضعون، ولا ينفعون ولا يضرون، فليس للإنسان أن يلتفت إلى مدح الناس وذمهم، وتعظيمهم وتحقيرهم، وإكرامهم وإهانتهم، مهما كان الأمر لله تعالى والأمور كلها بيد الله لا شريك له في ذلك، فإن الإنسان لا ترتفع منزلته عند الناس إلا بما يرجوا من نفعهم، وما يخافه من مضرتهم، وإذا علم الإنسانُ أنّ الله هو النافعُ والضار، وأنه إن شاء جلب لك النفع من جهة الناس، وجعل لك منزلة في قلوبهم، ودفع عنك مضرتهم وذمهم، وإن شاء فعل لك غير ذلك فعند ذلك ينقطع الإنسان عن مراقبة الناس ولا يلتفت إليهم.

  فالإخلاص في العمل: هو أن تقصد وتريد بأعمال الطاعات التي تقوم بها وجه الله ورضاه، ولا تنظر إلى الناس ولا تبالي بهم مهما كان عملك موافقاً لما يرضي الله تعالى.

  وأن يكون عملك نقياً صافياً خالصاً من الشوائب والمحبطات التي تشوب الطاعات، فتكون بعيداً عن الرياء والسمعة والكبر والعجب، ومحبة المدح والثناء.

  وأن لا تعمل عملاً أو تفعل فعلاً تطلب به رضاء الناس عليك، وأن لاتترك عملاً أو فعلاً خشية أن يغضب الناس عليك، فالناس ليس لهم شأن فيما بينك وبين الله من العبادات والمعاملات، فاعمل عملاً خالصاً تلقَ ثواباً وأجراً دائماً.

  ومن أعظم ما يعيق الإنسان عن الإخلاص هو حب الدنيا وطول الأمل.