روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

23 - حول حادثة الإسراء والمعراج

صفحة 213 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله العلي الأعلى، رب الآخرة والأولى، خالق السماوات العلى، ومبدع الأرضين السفلى، الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ورفعه تشريفاً وتعظيماً حتى بلغ سدرة المنتهى، ورأى من آيات ربه الكبرى.

  وأشهد أن لا إله إلا الله الفاعل لما يشاء، وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى، صلى الله عليه وآله الأصفياء، الهادي إلى الطريقة المثلى، والداعي إلى الخليقة الحسنى.

  أما بعد أيها المؤمنون: نكمل الدروس والعقائد والتشريعات في حادثة الإسراء والمعراج:

  ومن ذلك أيضاً: تنبيه الله تعالى لعباده أنه لا يُرى، ولا تجوز رؤيته لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك أن الله تعالى لو كان يجوز رؤيته لرآه أفضل الخلق وأحبهم لديه محمد ÷، فلما لم يحصل ذلك علمنا أن انتفاء الرؤية عن الله تعالى أمر ذاتي، وأن ذاته العلية لا تطرأ عليه عوارض الأجسام والأعراض، كما روي عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ».

  وما روي عن عائشة أنها قالت: ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قال مسروق: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ÷ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ.

  قَالَ مسروق: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ø {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ٢٣}⁣[التكوير]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ١٣}⁣[النجم]، فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ÷، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطاً مِنَ السَّمَاءِ سَادّاً عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ.