37 - حول الدنيا وحالات الحشر وحقيقة الإسلام
الخطبة الثانية
  
  الحمد الله نحمدُهُ ونستعينُه، ونؤمنُ به، ونتوكلُ عليه، حمداً يكون أرضى الحمد له، وأتم الحمد لديه.
  ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، فرداً صمداً، ليس له ند ولا شبيه.
  ونشهد أن محمداً عبدُه المصطفى، ورسولُه المجتبى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الهداة.
  أما بعد: أيها المؤمنون: أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه، وإليه يصيرُ غداً معادُها، وبيدِه فناؤها وفناؤكم، وتَصَرُّمُ أيامِكم، وفناءُ آجالكم، وانقطاعُ مُدَّتِكم، فكأنْ قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم، فاجعلوا - عبادَ الله - اجتهادَ كم في هذه الدنيا، التزوَّدَ من يومها القصيرِ ليومِ الآخرةِ الطويل، فإنها دارُ عملٍ، والآخرةَ دارُ القرارِ والجزاء، فتجافَوا عنها، فإنَّ المغترَّ مَن اغترَّ بها، لن تعدوَ الدنيا إذا تناهت إليها أمنيةَ أهلِ الرغبةِ فيها، المحبين لها، المطمئنين إليها، المفتونين بها، أن تكون كما قال الله ø: {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ}[يونس: ٢٤] الآية، مع أنه لم يُصِبْ امرؤٌ منكم في هذه الدنيا حَبْرَةً، إلا أورثته عبرة، ولا يصبح فيها في جناحِ أَمْنٍ إلا وهو يخافُ فيها نزولَ جائحة، أو تغيُّرَ نعمةٍ، أو زوالَ عافية، مع أن الموت من وراء ذلك، وهولَ المُطَّلَعِ والوقوفَ بين يدي الحكم العدلِ، يوم تُجزى كلُّ نفس بما عملت، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، فاتقوا اللهَ عزَّ ذكرُه، وسارعوا إلى رضوان الله، والعمل بطاعته والتقرب اليه بكل ما فيه الرضا، فإنه قريب مجيب، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بِمَحَابِّه، ويجتنبُ سخطَه.
  أيها المؤمنون: قد جعل الله تعالى يوم القيامة مرجعاً وفصلاً، ووقتاً للقضاء بين الناس حكماً وعدلاً، وهو اليوم الذي يحشر فيه الخلق إلى ربهم، فهم في حشرهم على صفات مختلفة، وحالات متفاوتة، كما قال تعالى {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ١٨}[النبأ]، فقد