روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

37 - حول الدنيا وحالات الحشر وحقيقة الإسلام

صفحة 306 - الجزء 2

٣٧ - حول الدنيا وحالات الحشر وحقيقة الإسلام

الخطبة الأولى

  

  الحمدُ لله أهلِ الحمدِ وولِيِّه، ومنتهى الحمدِ ومحلِّه، المبدئِ البديع، الأجلِّ الأعظمِ السميعِ، الأعزِّ الأكرم، المتوحدِ بالكبرياءِ، والمتفردِ بالآلاءِ، القاهرِ بعزِّهِ، والمتسلط بقهرِهِ، الممتنعِ بقوَّتِهِ، المهيمنِ بقدرتِه، والمتعالي فوق كلِّ شيءٍ بجبروتِهِ، المحمودِ بامتنانِهِ، المتفضلِ بعطائه وإحسانِهِ، وجزيلِ فوائدِه، المُوسِعِ برزقه، المسبغِ بنعمتِهِ، نحمدُه على آلائِهِ، وتظاهرِ نعمائِهِ، حمداً يزِنُ عظمَةَ جلالِهِ، ويملأُ قدرَ آلائِهِ وكبريائِهِ.

  وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي كان في أوليته متقادِماً، وفي ديموميته مُتسيطِرَاً، خضعَ الخلائقُ لوحدانيَّتِهِ وربوبيَّتِهِ، وقديمِ أزليَّتِهِ، ودانوا لدوام أبديَّتِه.

  وأشهد أنَّ محمداً ÷ عبدُه ورسولُه، وخيرتُه من خلقه، اختاره بعلمه، واصطفاه لوحيه، وائتمنه على سره، وارتضاه لخلقه، وانتدبه لعظيم أمرِه ولضياءِ معالمِ دينِه، ومناهجِ سبيله، ومفتاحِ وحيهِ، وسبباً لباب رحمته، فبَلَّغَ رسالتَه، وجاهدَ في سبيله، وعبده حتى أتاه اليقينُ، صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليماً كثيراً.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، واغتنام ما استطعتم عملاً به من طاعته في هذه الأيام الخالية، والرفض لهذه الدنيا التاركةِ لكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها، والمبلِيَةِ لكم وإن كنتم تحبون تجديدَها، فإنما مَثَلُكم ومَثَلُها كركب سلكوا سبيلاً، فكأنْ قد قطعوه، وأفضوا إلى عَلَم، فكأن قد بلغوه، وكم عسى الْمُجرَى إلى الغاية أن يجريَ إليها حتى يبلغها، وكم عسى أن يكون بقاءُ من له يومٌ لا يعْدُوهُ، وطالبٌ حثيثٌ في الدنيا يَحْدُوه حتى يفارِقَها، فلا تتنافسوا في عزِّ الدنيا وفخرها، ولا تُعجَبُوا بزينتها ونعيمها، ولا تجزعوا من ضرَّائِها وبؤسها، فإنَّ عزَّ الدنيا وفخرَها إلى انقطاع، وإنَّ زينتها ونعيمها إلى زوال،