40 - خطبة في العشر من ذي الحجة
٤٠ - خطبة في العشر من ذي الحجة
الخطبة الأولى
  
  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ، وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ، وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ، الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ، فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ، حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ، وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ، وَأَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ، حَمْداً يَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ، وَيَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ، حَمْداً لَا يُحْجَبُ عَنْكَ، وَلَا يُقْصَرُ دُونَكَ، حَمْداً لَا يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ، وَلَا يَفْنَى مَدَدُهُ.
  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ، وَإِخْلَاصٍ وَإِذْعَانٍ.
  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ وَأَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ، وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ، فَصَدَعَ بِالْحَقِّ، وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ، ÷.
  أما بعد: أيها المؤمنون: فإن حياة الإنسان المسلم لا بد أن تكون كلَّها عبادةٌ وطاعةٌ وعملٌ صالحٌ يُقربه من الله تعالى، ويصِلُه بخالقه العظيم جل وعَلا، في كل جزئ من جزئيات حياته، وفي كل حال من أحواله، وفي كل شأنٍ من شؤونه.
  فحياة المسلم تمتاز بأنها زاخرةٌ بالأعمال الصالحة، ومليئة بالعبادات المشروعة، التي تجعل المسلم في عبادةٍ مُستمرةٍ، وتحوِّل حياته كلَّها إلى قولٍ حسنٍ، وعملٍ صالحٍ، وسعيٍ دؤوبٍ في رضاء الله، دونم أي كللٍ أو مللٍ، أو فتورٍ أو انقطاع.
  كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٩٧}[النحل]، فحياة المسلم الطيبة هي التي يستمر فيها على الطاعة، فهي لا تكاد تنقطع من أداء نوعٍ من أنواع العبادة التي