29 - حول الرزق والحكمة فيه
الخطبة الثانية
  
  الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَوَّرَ الخَلْقَ بِلَا اسْتِرْشَادٍ، وَقَدَّرَ الرِّزْقَ بِغَيْرِ اسْتِمْدَادٍ، نحمده على نعمه وإحسانه.
  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لًا شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المُصْطَفَى، وَأَمِيْنُهُ المُجْتَبَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِيْنَ الطَّاهِرِيْنَ.
  أما بعد: أيها المؤمنون: نكمل الكلام حول الأرزاق:
  الخامس: الله تعالى أباح لعباده الكسب الحلال وهذا لا ينافي أن الله تعالى قد قدر الأرزاق، لأن ما اكتسبته من الرزق فلن تستطيع أن تحصِّل أو تكسب إلا ما قد قدره الله لك من الكسب، وإنما يكون حصول بعض الرزق مشروطاً بالكسب، فإذا عملت واكتسبت حصل لك المقسوم المقدر، وإذا لم تكتسب لم تحصل على شيء، وليس حصول الرزق بالكسب يتوقف على دهاءٍ أو تعب وعناء، فقد يكفي أدنى سبب، وأقل تكسب، فكم من شديد الدهاء، كثير السفر والعناء، لا يحصل على ما يحصل عليه من هو أضعف منه ذكاء، وأقلَّ عناء، وقد نبه على هذه الأمور حبيبنا ونبينا الكريم ÷ في قوله: (أجملوا في الطلب فكلٌّ ميسر لما قسم له)، وكما في الحديث القدسي عن الله عزرجل «وعزتي وجلالي، وكبريائي وجودي: لأرزقنّ عديم الحيلة حتى يحتار ذوو الحيلة»، وكما قال أمير المؤمنين علي #: (الرزق رزقان: رزق يطلبك، ورزق تطلبه)، وكما قال: (الرزق رزقان: رزق يأتيك، ورزق تأتيه)، وفي كلام له آخر (واعلم أن الرزق لا يجره حرص حريص، ولا تصرفه كراهة صارف)، فاكتسب واعلم أن كسبك لا يعدو ما قُسِمَ لك، مهما كلفت نفسك، ومهما عَرِق جبينُك، فليس عرق الجبين هو الذي يقلل أو يكثر.