روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

21 - حقوق الجار

صفحة 187 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله على إحسانه، ونشكره على توفيقه وامتنانه، أمرنا بالإحسان إلى الجيران، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، محمد بن عبدالله خير من وصى بالجار، وعلى آله الأخيار.

  أما بعد: أيها المؤمنون: يحكى أن رجلاً من المسلمين بنى داراً كبيرة فسيحة، فجمّلها وحسَّنها، وبعد برهة من الزمن تعكرت حياته في تلك الدار، فعاف حسنها، وكره سكناها، وتمنى الخلاص منها، فعرضها للبيع بأرخص الأثمان، وأبخس الأسعار، وتمت البيعة بسعر زهيد، فلامَهُ العُذَّال في بيعها، فأجابهم بقوله:

  يلومونني أنْ بِعْتُ بالرّخْص منزلي ... وما علِمُوا جاراً هناك يُنغِّصُ

  فقلت لهم: كُفُّوا الملام فإنها ... بجيرانها تغلو الديارُ وترخُصُ

  وبضد هذا الموقف موقفٌ يبين غلاء البيت بجيرانها، فقد عرض رجل داره للبيع بمائة ألف درهم، فلما حضر الراغبون في شراء داره قال لهم: قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوار جاري؟ فقيل له: وهل الجوار يباع؟ قال: وكيف لا يباع جوار مَن إذا قعدتَ سألَ عنك، وإن رآك رحّب بك، وإن غبت حفظك، وإن شهدت قرّبك، وإن سألته قضى حاجتك، وإن لم تسأله ابتدأك، وإن نابتك نائبة فرج عنك، فبلغ ذلك جاره فوجه إليه بمائة ألف درهم، وقال له: أمسك عليك دارك.

  وروي أنه كان لأبي حنيفة جار يعمل نهاره ويقضي ليله في اللهو والغناء، وكثيراً ما كان يزعج أبا حنيفة ويتغنى.

  ففقد أبو حنيفة صوته ذات مرة، وعلم أنه محبوس، فصلى الصبح، وذهب إلى الأمير فقابله وطلب الإفراج عن جاره، وأجابه الأمير وأفرج عن جاره.