روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

24 - في الإستسقاء

صفحة 207 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ÷.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  فإننا في هذه الأيام نرى السحبَ تتراكم، ولكن لا تنزل مياهُها، والرياحَ تتلاطمُ، ولكن لا تَنْتَشِرُ بركاتُها، والأرضَ مُغْبَرَّةً، والجبالَ قد انصاخت، والبهائمَ قد هامت، وأحوالَ الناس قد تنكرت، ومعارفَهم قد تبدلت.

  حبست السماءُ عنا قطرها، والأرض خيرها ورزقها وبركتها، ولم نحاول أن نسعى إلى الخلاص من سوء أحوالنا، ولم نقتد بنبينا ~ وآله وسلم في تعليمه لنا، فلقد كان النبي ÷ يدعو ربه، ويتضرع إلى خالقه، يجأر إلى الله برفع صوته، ومَدِّ يدِه، ونحن قد أصبحنا في غنى عن ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

  كان النبي ÷ يستسقي، ويدعو ربه، فعن أنس بن مالك قال: «أصابت الناسَ سَنَةٌ على عهد النبي ÷ فبينما النبي ÷ يخطب الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله: هلك المالُ، وجاع العيالُ، فادع لنا الله، فرفع يديه وما نرى في السماء قَزَعَة، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثالَ الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته ÷ فمُطِرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله تَهَدَّمَ البناءُ، وغرق المالُ، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال «اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية السماء إلا انفرجت».