روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

3 - خطبة أخرى حول العبادة

صفحة 23 - الجزء 2

٣ - خطبة أخرى حول العبادة

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله الذي لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَلَا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ، وَلَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ، وَلَا يَصِفُهُ لِسَانٌ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ، وَلَا نُجُومِ السَّمَاءِ، وَلَا سَوَافِي الرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، وَلَا مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ، وَخَفِيَّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ.

  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ، وَلَا مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَا مَكْفُورٍ دِينُهُ، وَلَا مَجْحُودٍ تَكْوِينُهُ، شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ، وَصَفَتْ دِخْلَتُهُ، وَخَلَصَ يَقِينُهُ، وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ.

  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِهِ، وَالْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَالْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِهِ، وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى، وَالْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله أئمة الهدى.

  أما بعد: أيها المؤمنون: يقول الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}⁣[الذاريات]، فالعبادة اسم جامع يشمل كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الإعتقادات والأقوال والأعمال، والعبادة معناها يرجع إلى الطاعة والإمتثال، فالذي لا يطيع سيده، ولا يمتثل أمر مولاه هو العبد المتمرد العاصي، فنحن لله عبيد وهو سيدنا ومولانا، ونحن له مملوكون وهو مالكنا، ونحن له مربوبون وهو ربنا، وهو المنعم علينا بالنعم التي لا تعد ولا تحصى.

  فهو الآمرُ ونحن المأمورون، وهو الناهي ونحن المنهيون، وهو المتصرف فينا كيف شاء، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

  والعبودية لله شرف كبير، وفخر عظيم، وصف الله بها ملائكته وأنبيائه وخاصته، كما قال تعالى {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}⁣[النساء: ١٧٢]، وقال في ملائكته {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ٢٦}⁣[الأنبياء]، وقال في أنبيائه {وَلَقَدْ