روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

3 - خطبة أخرى حول العبادة

صفحة 27 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  

  الحمد لله الذي يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَمَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ، وَاخْتِلَافَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ، وَتَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في وحدانيته وإلاهيته وعبادته.

  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّهِ، وَسَفِيرُ وَحْيِهِ، وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

  أما بعد أيها المؤمنون: عندنا قصور في فهم حقيقة الإسلام، لأننا نشأنا في جهل، وإذا جاء أحدٌ ليبين لنا حقيقة الدين والإسلام استنكرنا ذلك منه أشد الإستنكار، لأن من جهل شيئاً عابه، فقد تعودنا على أن سوء أعمالنا هي الدين والإسلام، والجهل من أعظم الذنوب وأخطرها، قال الإمام القاسم بن إبراهيم # مبيناً أهمية العلم، الذي يبتني عليه معرفة الدين والإسلام:

  (العبادةُ بالعلم أفضلُ منها بالعمل، وفي العلم من الهدى والضلال، مثل الذي منهما في الأعمال، فلما كان العلم بأحكام الله، مما يكون هدى عند الله، والجهل بأحكام الله مما يكون ضلالاً عند الله، تُرِكَ المكلفون من العباد، بعد أن نزل عليهم من الله ما نزل في ذلك من الرشاد، ليهتدوا فيها ويجهلوا، كما تُرِكوا في الأعمال ليعملوا أولا يعملوا، لكي يهتدوا فيها أو يضلوا، فأهدى الهدى فيها العلم، وأضلُّ الضلال الجهل، وهو لكل واحد منهما فيها كسب، وعمل يثاب على أيهما اكتسب أو يعاقب، ثوابه أو عقابه على غيره من أعماله، ويجزى فيه على ما صار فيما بينه وبين الله من هداه أو ضَلَالِهِ.

  والعلم منهما ففرض قدَّمه الله قبل فرض الأعمال، وبه وبما فرض الله منه ما أبان الله به عند المؤمنين فرق بين الحرام والحلال).